يا نفس:
إن الدنيا يونق (1) منظرها، ويوبق (2) مخبرها، ولا تدوم حبرتها (3)، ولا تؤمن فجعتها، حائلة زائلة، نافذة بائدة، أكالة غوالة، غرارة ضرارة، فالكون فيها خطر، والثقة بها غرر (4)، والاخلاد إليها محال، والاعتماد عليها ظلال، لم يصفها الله لأوليائه، ولم يضن (5) بها على أعدائه، وهي والآخرة عدوان متفاوتان، وسبيلان مختلفان، فمن أحب الدنيا وتوالاها، أبغض الآخرة وعاداها.
يا نفس:
إن جزعت على ما تفلت من يديك، فاجزعي على ما لم يصل إليك، وإن كنت في البقاء راغبة فازهدي في عالم الفناء، وإن كنت للنعيم طالبة فاعتقي نفسك من دار الشقاء، وأراك إن دعيت إلى حرث الآخرة كسلت، وإن دعيت إلى حرث الدنيا عملت، وإن سقمت ندمت، وإن عوفيت نسيت، تواقعين الحوبة (6)، وتتكلين على التوبة، فأحسني الاستعداد والاكثار من الزاد ليوم تقدمين على ما قدمت، وتندمين على ما خلفت، وتجازين على ما أسلفت.