ولقد حدثني قاضي (1) القضاة الماوردي بحكاية عجيبة، وصدقها ابن الهدهد وابن الصقر فراشا سلار الملقب بجلال الدولة ابن بابويه ملك البصرة قبل بغداد، وكان المعروف بكبوش (2) قد وزر له واستولى عليه (3)، فقبض على رجل من ثقات البصرة، وصادره واستأصله وخلاه كالميت، وكان يدعو عليه، فلما كان في بعض الأيام ركب بكبوش (4) في مركب عظيم، فصادف الرجل فسبه، فقال له الرجل:
الله بيني وبينك، والله لأرمينك بسهام الليل، فأمر بالايقاع به فضرب حتى ترك ميتا، وقال له: سهام الليل هذه سهام النهار وقد أصابتك، فلما كان بعد ثلاثة أيام من ذلك قبض جلال الدولة على بكبوش (5)، واجلس (6) في حجرة على حصير، ووكل به من يسئ إليه، فدخل الفراشون لكنس الحجرة وشيل (الحصر التي) (7) تحته، فوجدوا رقعة فأخذها الفراشون وسلموها إلى ابن الهدهد فراش سلار، فقال:
من طرحها؟ فقالوا: ما دخل أحد ولا خرج، فقرأت، فإذا فيها شعر:
سهام الليل لا تخطئ ولكن * لها أمد وللأمد انقضاء أتهزأ بالدعاء وتزدريه * تأمل فيك ما صنع الدعاء (8) فأخبر جلال الدولة بحاله، وشرح له القصة جميعها (9)، فأمر الفراشين بضرب فكه حتى تقع أسنانه، ففعل به ذلك وعذب بكل نوع حتى هلك في النكبة.