- إن الدنيا لم تخلق لكم دار مقام [ولا محل قرار] (1) وإنما جعلت لكم مجازا لتزودوا منها الأعمال الصالحة لدار القرار فكونوا منها على أوفاز ولا تخدعنكم منها العاجلة ولا يغرنكم فيها الفتنة.
- إن الدنيا لا يسلم منها إلا بالزهد فيها، ابتلي الناس بها فتنة فما أخذوا منها لها أخرجوا منه وحوسبوا عليه وما أخذوا منها لغيرها قدموا عليه وأقاموا فيه، إنها عند ذوي العقول كالظل بينا تراه سائغا حتى قلص وزائدا حتى نقص و قد أعذر الله إليكم في النهي عنها و أنذركم وحذركم منها فأبلغ.
- إن الدنيا دار مني لها الفناء ولأهلها منها الجلاء وهي حلوة خضرة وقد عجلت للطالب والتبست بقلب الناظر فارتحلوا عنها بأحسن ما يحضركم من الزاد ولا تسئلوا فيها إلا الكفاف ولا تطلبوا منها أكثر من البلاغ.
- إن الدنيا لمشغلة عن غيرها لم يصب صاحبها منها سببا إلا فتحت عليه حرصا عليها ولهجا بها.
- إن الله تعالى جعل الدنيا لما بعدها و ابتلى فيها أهلها ليعلم أيهم أحسن عملا و لسنا للدنيا خلقنا ولا بالسعي لها أمرنا و إنما وضعنا فيها لنبتلى بها ونعمل فيها لما بعدها.
- إن الدهر يجري بالباقين كجريه بالماضين لا يعود ما قد ولى منه ولا يبقى سرمدا ما فيه، آخر أفعاله كأوله، متسابقة أموره، متظاهرة أعلامه، لا ينفك مصاحبه من عناء وفناء وسلب و حرب.
- إن الدهر موتر قوسه لا تخطئ سهامه ولا توسى جراحه يرمي الصحيح بالسقم والناجي بالعطب.
- إن الزهادة قصر الامل، والشكر على النعم، والورع عن المحارم فإن عزب (1) ذلك عنكم فلا يغلب الحرام صبركم ولا تنسوا عند النعم شكركم فقد أعذر الله سبحانه إليكم بحجج مسفرة ظاهرة وكتب بارزة العذر واضحة.