هذا كلام في الحكاية والمحكى وله باب يختص به وسنورد إن شاء الله تعالى طرفا منه (فصل) فاما إرادة الله تعالى لأفعال خلقه فهى امره لهم بالافعال ووصفنا له بأنه يريد منهم كذا إنما هو استعارة ومجاز وكذلك كل من وصف بأنه مريد لما ليس من فعله تعالى بطريق الاستعارة والمجاز وقول القائل يريد منى فلان المصير إليه إنما معناه انه يأمرني بذلك ويأخذني به وأرادني فلان على كذا اي امرني به فقولنا ان الله يريد من عباده الطاعة انما معناه انه يأمرهم بها وقد تعبر بالإرادة عن التمني والشهوة مجازا واتساعا فيقول الانسان انا أريد ان يكون كذا أي أتمناه وهذا الذي كنت أريده اي أشتهيه وتميل نفسي إليه والاستعارات في الإرادات كثيرة فاما كراهة الله تعالى للشئ فهو نهيه عنه وذلك أيضا مجاز كالإرادة فاعلمه (القول في الغضب والرضا) وهاتان صفتان لا تصح حقيقتيهما إلا في المخلوق لأن الغضب هو نفور الطباع والرضا هو ميلها وسكون النفس ووصف الله تعالى بالغضب والرضا انما هو مجاز والمراد بذلك ثوابه وعقابه فرضاه وجود ثوابه وغضبه وجود عقابه فإذا قلنا رضي الله عنه فإنما نعنى اثابه الله تعالى وإذا قلنا غضب الله فإنما نريد عاقبه الله فإن علق الغضب والرضا بأفعال العبد فالمراد بهما الامر والنهى نقول إن الله يرضى الطاعة بمعنى يأمر بها ويغضب من المعصية بمعنى ينهى عنها (القول في الحب والبغض) وهاتان الصفتان إنما يوصف الله تعالى بهما مجازا لأن المحبة في الحقيقة ارتياح النفس إلى المحبوب والبغض ضد ذلك من الأوزاع والتنفر الذي لا يجوز على القديم فإذا قلنا إن الله عز وجل يحب المؤمن ويبغض الكافر فإنما نريد بذلك انه ينعم على المؤمن ويعذب الكافر وإذا قلنا إنه يحب من عباده الطاعة ويبغض منهم المعصية جرى ذلك مجرى الامر والنهى أيضا على المعنى الذي قدمنا في الغضب والرضا (القول في سميع وبصير) اعلم أن السميع في الحقيقة هو مدرك الأصوات بحاسة سمعه والبصير هو مدرك المبصرات بحاسة بصره وهاتان الصفتان لا يقال حقيقتيهما في الله تعالى لأنه يدرك جميع المدركات بغير حواس ولا آلات فقولنا انه سميع إنما معناه لا يخفي عليه المسموعات وقولنا بصير معناه انه لا يغيب عنه شئ من المبصرات وانه يعلم هذه الأشياء على حقائقها بنفسه لا بسمع وبصر ولا بمعان زائدة على معنى العلم وقد جاءت الآثار عن الأئمة عليهم السلام بما يؤكد ما
(٢٨)