كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ٣٠٤
على سبيل الغلبة له وانه قادر على الجائهم واكراههم على ما اراده منهم فاما لفظة ذلك في الآية فحملها على الرحمة أولي من حملها على الاختلاف لدليل العقل وشهادة اللفظ فاما دليل العقل فمن حيث علمنا أنه عز وجل كره الاختلاف في الدين ونهى عنه وتوعد عليه ولا يجوز ان يخلقهم لأمر يكرهه ويشاء منهم ما نهى عنه وحظره وأما شهادة اللفظ فلان الرحمة أقرب إلى هذه الكناية من الاختلاف وحمل اللفظ على أقرب المذكورين إليها أولي في لسان العرب من حمله على الابعد وأما قول السائل ان الرحمة مؤنثة ولفظة ذلك لا يكنى بها إلا مذكر ففاسد لأن تأنيث الرحمة غير حقيقي وإذا كنى عنها بلفظ التذكير كانت الكناية على المعنى لأن معنى الرحمة هو الانعام والتفضل وقد قال الله سبحانه * (هذا رحمة من ربي) * ولم يقل هذه وإنما أراد هذا فضل من ربي قال امرؤ القيس برهرهه روده رخصه كخربوه عوبه البانه المنفطر فقال المنفطر ولم يقل المنفطرة لأنه عنى إلى الغصن فذكره وقال آخر * قامت تبكيه على قبره من لي من بعدك يا عامر * تركتني في الدار ذا غربة * قد ضاع من ليس له ناصر * فقال ذا غربة ولم يقل ذات غربه لأنه عنى شخصا ذا غربه والمراد بالاختلاف المذكور في الآية انما هو الاختلاف في الدين والذهاب عن الحق فيه بالهوى والشبهة وقد ذكر بعضهم في قوله مختلفين وجها غريبا وهو ان يكون معناه ان خلف هؤلاء الكافرين يخلف سلفهم في الكفر لأنه سواء قولك خلف بعضهم بعضا و قولك اختلفوا كما أنه سواء قولك قتل بعضهم بعضا وقولك اقتتلوا ومنه قولهم لا افعل كذا وكذا ما اختلف العصران والجديدان أي جاء كل منهما بعد الأخر وأما الرحمة فليست رقة القلب و الشفقة لكنها فعل النعم والاحسان يدل على ذلك ان من أحسن إلى غيره وانعم عليه يوصف بأنه رحيم وان لم تعلم منه رقة قلبه عليه وشفقته بل وصفهم بالرحمة من لا يعهدون منه رقة القلب أقوى من وصفهم الرقيق القلب بذلك لأن مشقة النعمة والاحسان على من لا رقة عنده أكثر منها على الرقيق القلب وقد علمنا أن من رق عليه أو امتنع من الافضال والاحسان لم يوصف بالرحمة وإذا أنعم وصف بها فوجب ان يكون معناها ما ذكرناه وقد يجوز ان يكون معنى الرحمة في الأصل الرقة والشفقة ثم انتقل بالتعارف إلى ما بلغ هذا آخر ما وجدنا من كتاب كنز الفوائد املاء الشيخ الفقيه أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي رحمه الله وما توفيقي الا بالله لما كانت هذه الدرة الفريدة والجوهرة الخريدة مجموعة عن خطابها مخفية من طلابها وهي كاسمها كنز مخزونة ومملوءة من اللألي مكنونة لم تسمح الأيام بنسختها لأهل العلم والفضل إلى أن عثرت بنسختي وكانتا رغم جودها مغلوطتين ووجدت نسخة أخرى منفردة فتصديت لتصحيحها بقدر وسع ما أردت ان أتصرف فيها بالحدس وظني ان أهل العلم لو رأوا النسختين اعذروني عند اطلاعهم على أغلاطها وارجو من مكارم أخلاقهم ان يقبلوا عذري ويمنوا علي بتصحيحها ويجيبوا إلي بطلب المغفرة لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات الأقل الأحقر المذنب خادم علماء العاملين محمد حسين بن محمد رضا التبريزي عفا عنهما وعن المؤمنين والمؤمنات ويرحم الله عبدا قال يا رب العالمين آمين
(٣٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304