بعضها، والتخطئة لسائرها يدخل في التخطئة لواحدها (1)، وهل هم في ذلك إلا كمن ادعى الحجة بإجماع عشرة من الناس على قول أو فعل وجعل دليله على ذلك قول واحد من العشرة ولم يعلم أن المخالف له في الحجة بإجماع العشرة لم يصر إلى ذلك إلا بعد المخالفة له فيمن دون العشرة، إذ لو سلم [له] الخصم قول بعضها لم يصح خلافه له في قول جميعها، ولما رأوا أن خبرهم لا يصح كونه في قسم المتواتر على أصلهم (2)، ولا ينصرف عن إضافته إلى أخبار الآحاد التي لا تثبت بها حجة لدعواهم، اشتد غلطهم، وعظم زللهم، فأداهم إلى القول بأنهم علموا صحته بالإجماع. وهذا من أعجب الأقوال! وهو في المناقضة لاحق في الهذيان، لأن أصل الخلاف إنما هو في الإجماع وهل هو حجة أم لا؟ فكيف يكون الإجماع دليلا لنفسه (3)، وبرهانا على ما يدعى من صوابه؟! ولو جاز هذا لكانت الدعوى نفسها برهانا، والفتوى بعينها دليلا، وهذا ما لا يخفى فساده على العقلاء. ومما يوضح غلطهم فيه أن الدليل على الشئ يعرف قبل معرفة الشئ، فإذا كانوا لم يعلموا أن الإجماع حجة، وأن الأمة فيما تخبر به معصومة إلا بالخبر [فقد وجب أن يكونوا عالمين بصحته قبل علمهم بأن الإجماع حجة، وأن الأمة فيما تخبر به معصومة، وإذا كانوا لم يعلموا أن الخبر صحيح إلا بالإجماع] فقد وجب أن يكونوا عالمين بأن الإجماع حجة قبل علمهم بصحة الخبر فكيف يتقدم المؤخر (4) ويتأخر المقدم، وهل رؤي قط أعجب من هذا الأمر؟!
(٦٦)