العلوم ودقائقها، كلفا باستظهار ما يصح من حقائقها، مغرما بحفظ مشتبهها ومستغلقها، شحيحا على ما أظفر به من معاضلها ومشكلاتها، ومتعصبا لمذهب الإمامية، راغبا عن الأمن والسلامة في انتظار التنازع والتخاصم، والتعدي إلى التباغض والتشاتم، معيبا للفرق ذوي الخلاف، كشافا عن مثالب أئمتهم، هتاكا لحجب قادتهم.
إلى أن بليت بأشد النواصب منازعة، وأطولهم مخاصمة، وأكثرهم جدالا، وأقشعهم سؤالا، وأثبتهم على الباطل قدما.
فقال ذات يوم وأنا أناظره: تبا لك - يا سعد - ولأصحابك، إنكم معشر الرافضة تقصدون على المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما، وتجحدون من رسول الله ولايتهما وإمامتهما، هذا الصديق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته، أما علمتم أن الرسول (عليه وآله السلام) ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلا علما منه بأن الخلافة له من بعده، وأنه هو المقلد أمر التأويل، والملقى إليه أزمة الأمة، وعليه المعول في شعب الصدع، ولم الشعث، وسد الخلل، وإقامة الحدود، وتسرية (1) الجيوش لفتح بلاد الكفر، فكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته، إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشر مساعدة إلى مكان يستخفي فيه، فلما رأينا النبي (صلى الله عليه وآله) متوجها إلى الانجحار (2)، ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد، استبان لنا قصد رسول الله بأبي بكر إلى الغار للعلة التي شرحناها.
وإنما أبات عليا (عليه السلام) على فراشة لما لم يكن يكترث له، ولم يحفل به، لاستثقاله إياه، وعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه، للخطوب التي كان يصلح لها.
قال سعد: فأوردت عليه أجوبة شتى، فما زال يقصد كل واحد منها بالنقض والرد علي.
ثم قال: يا سعد، دونكها أخرى بمثلها تحطم آناف الروافض، ألستم تزعمون