فداك، ممن المعصية؟ فنظر إلي ثم قال: اجلس حتى أخبرك. فجلست، فقال: إن المعصية لا بد أن تكون من العبد أو من ربه، أو منهما جميعا، فإن كانت من الله (تعالى) فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله.
وإن كانت منهما فهو شريكه، والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف.
وإن كانت من العبد فعليه وقع الأمر، وإليه توجه النهي، وله حق الثواب والعقاب، ووجبت الجنة والنار.
قال أبو حنيفة: فلما سمعت ذلك قلت: * (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) * (1). وقد نظم كلامه (عليه السلام) هذا شعرا، فقيل:
لم تخل أفعالنا اللاتي نذم لها * إحدى ثلاث خلال حين نأتيها إما تفرد بارينا بصنعتها * فيسقط اللوم عنا حين ننشيها أو كان يشركنا فيها فيلحقه * ما سوف يلحقنا من لائم فيها أو لم يكن لإلهي في جنايتها * ذنب، فما الذنب إلا ذنب جانيها سيعلمون إذا الميزان شال بهم * أهم جنوها، أم الرحمن جانيها؟ (2) وهكذا كانوا (عليهم السلام)، لم يعرف عن أحدهم أنه تلكأ يوما في مسألة، أو أفحمه أحد في حجة، بل كان سبقهم نوعا من الاعجاز، وأظهر ما يكون ذلك مع الإمام محمد الجواد الذي أوتي العلم والحكمة صبيا، وسبق علماء عصره ومتكلميهم وشهدوا له بالفضل والتقدم والعلو وتأدبوا في مجلسه ولم يبلغ التاسعة من العمر.
قال الشيخ المفيد: عن المعلى بن محمد، قال: خرج علي أبو جعفر (عليه السلام) حدثان موت أبيه، فنظرت إلى قده لأصف قامته لأصحابنا، فقعد، ثم قال: يا معلى، إن الله (تعالى) احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوة، فقال: * (وآتيناه الحكم صبيا) * (3).