لتطمئن النفس من خلال النظر في رسالة النبي وأحاديثه وأمره ونهيه أنه نبي حقا لا ينطق عن الهوى، ولأجل بلوغ هذه المعرفة لا بد من معرفة مسبقة بمعنى النبوة والغرض منها.
فمن كان له معرفة في الفقه مثلا، ثم يرى آثار الشيخ الطوسي، فسوف لا يخفى عليه أنه كان فقيها بارعا. من عرف معنى الكلام، ورأي آثار الشريف المرتضى، أذعن له وأقر بأنه متكلم من الطراز الأول. ومن عرف الشعر، وسمع شيئا من شعر المتنبي، أدرك أنه الشاعر الفحل الذي لا يجارى.
وعلى هذا النحو آمن كثيرون بنبوة الأنبياء، وفيه مع نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله) شواهد كثيرة، منها ما كان من قصة النجاشي ملك الحبشة العادل بعد ما سمع من جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنهما) شيئا عن رسالة النبي (صلى الله عليه وآله)، مع أنه قد استمع قبله إلى صديقه القديم عمرو بن العاص وهو يملي عليه التصور الجاهلي الجاحد لنبوة نبينا (صلى الله عليه وآله)، فدعا بالمهاجرين من المسلمين ليمثلوا أمامه، فقال لهم: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم؟
فتكلم جعفر، فقال: أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسئ الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. فصدقناه، وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا...
فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به نبيكم شئ؟
قال: نعم.
قال: فاقرأ علي، فقرأ عليه صدر سورة مريم. قالت أم سلمة (رضي الله عنها) وهي