الحسين (عليه السلام) وهو قائم في صلاته في صورة أفعى له عشرة أرؤس، محددة الأنياب، منقلبة الأعين بالحمرة، طلع عليه من جوف الأرض من مكان سجوده ثم تطول فلم يرعد لذلك ولا نظر بطرفه إليه، فانخفض إلى الأرض في صورة الأفعى، وقبض على عشرة أصابع علي بن الحسين وأقبل يكدمها (1) بأنيابه، وينفخ عليها من نار جوفه، وهو لا ينكسر طرفه إليه، ولا يحرك قدميه عن مكانها، ولا يختلجه شك ولا وهم في صلاته.
فلم يلبث إبليس حتى انقض عليه شهاب محرق من السماء، فلما أحس به إبليس صرخ وقام إلى جانب علي بن الحسين (عليهما السلام) في صورته الأولى، وقال: يا علي، أنت سيد العابدين كما سميت، وأنا إبليس، والله لقد شاهدت من عبادة النبيين والمرسلين من لدن آدم إلى زمنك (2)، فما رأيت مثل عبادتك، ولوددت أنك استغفرت لي، فإن الله كان يغفر لي. ثم تركه وولى، وهو في صلاته لا يشغله كلامه حتى قضى صلاته على تمامها (3).
وروي أنه كان قائما في صلاته حتى زحف ابنه محمد، وهو طفل، إلى بئر كانت في داره (4) بعيدة القعر، فسقط فيها، فنظرت إليه أمه فصرخت، وأقبلت تضرب نفسها من حوالي البئر، وتستغيث به وتقول له: يا بن رسول الله، غرق والله ابنك محمد. وكل ذلك لا يسمع قولها، ولا ينثني عن صلاته، وهي تسمع اضطراب ابنها في قعر البئر في الماء.
فلما طال عليها ذلك قالت له جزعا على ابنها ما أقسى قلوبكم يا أهل بيت النبوة! فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلا بعد كمالها وتمامها، ثم أقبل عليها فجلس على رأس البئر، ومد يده إلى قعرها، وكانت لا تنال إلا برشاء (5) طويل فأخرج ابنه محمدا بيده وهو يناغيه ويضحك، ولم يبل له ثوب ولا جسد بالماء.