الموتى بعيسى (عليه السلام)، ونظائرها كثيرة، وإذا كانت نبوة خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) قد عززت بالمعجزة الخالدة الكبرى، القرآن الكريم، الذي تحدى ولا يزال ويبقى يتحدى الإنس والجن أن يأتوا بسورة من مثله * (فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله) * (1) إذا كان كذلك فليس هو المعجزة الوحيدة له (صلى الله عليه وآله)، بل إن المعاجز قد رافقت حياته الشريفة على امتدادها، فكم حدثتنا الأخبار الصحاح عن نبوع الماء من بين أصابعه المباركة حتى يستقي منه الجيش الكبير ورواحله (2)، وكم وضع يده الكريمة على طعام قليل فأشبع الجمع الكثير (3)، وحادثة الهجرة الشهيرة وخروجه من بين رجال العصابة التي أحاطت بداره عازمة على قتله، ونثره التراب على رؤوسهم وهم لا يبصرون ولا يشعرون به حتى طلع عليهم الصبح (4)، وأشياء كثيرة امتلأت بها كتب السيرة النبوية المفصلة، فكانت المعاجز ترافقه شواهد ودلائل على نبوته (صلى الله عليه وآله).
3 - الاستقامة وسلامة النشأة: لما كان النبي مصدر الهداية، فلا بد أن يكون موضع الطمأنينة التامة، ولا يكون كذلك إلا إذا تميز بالاستقامة والطهر مدة حياته ومنذ نشأته الأولى، فلا يخالطه نقص، ولا يشوب سيرته ذم أو لوم، ولا يدنو منه عمل مشوم ولا قول ملوم، مجبول على النزاهة وسلامة النفس وبراءة العرض من الرجس والدنس، وكأن الصفات الدنيئة تخالف طبعه وتغايره بالكلية، فهو مجبول على الفضيلة ومكارم الأخلاق ومعالي الهمم، مسدد في خطاه، متزن في قوله وفعله، وهذه هي العصمة التي تلطف بها الله (تعالى) على صفوته من خلقه، فاصطنعهم لنفسه، وأحاطهم بعنايته، فنشأوا بعينه ورعايته، مثلا أعلى يجتمع فيه كل محمود من الخصال، ولا يدانيه ما يخدش في علو منزلته.