وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا) * (1) فلم يكن بعد قوله تعالى: (فلما) ما يجوز أن يكون خبرا لها، فالمواضع الثلاثة إذا متساوية.
فاما استشهادهم. ببيت الهذلي (2) وهو آخر قصيدة، ولم يرد بعده ما يجوز أن يكون خبرا له، وذلك قوله:
حتى إذا أسلكوهم في قتائدة * شلا كما تطرد الجمالة الشردا وقتائدة. اسم موضع، والجمالة: أصحاب الجمال، كما يقال: الحمارة والبغالة لأصحاب الحمير والبغال، والشل: الطرد، والشرد: الإبل الشاردة.
فليس الامر على ما قدروه في هذا البيت، وذلك أن معناه عند المحققين كمعنى الآيتين المذكورتين سواء، لان الشاعر لما جاء بالمصدر الذي هو قوله:
شلا كان فيه دلالة على الفعل، فكأنه قال: إذا أسلكوهم في هذا الموضع شلوهم شلا، فاكتفى بذكر المصدر عن ذكر الفعل، لان فيه دلالة عليه.
فإذا ثبت ما قلنا رجعنا إلى ذكر قول العلماء المحققين في معنى هذه الواو، إذ كانت عندهم واردة لفائدة لولاها لم تعلم.
فنقول. إن معنى ذلك عندهم * (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا) * (3): على وجه الصدقة والقربة، ما كانوا مقيمين على كفرهم ثم قال: ولو أفتدى بهذا المقدار أيضا - على عظم قدره - من العذاب المعد له ما قبل منه، فكأنه تعالى لما قال: * (فلن يقبل من أحد هم ملء الأرض ذهبا) * عم وجوه القبول بالنفي، ثم فصل سبحانه لزيادة البيان، ولو لم ترد هذه (الواو) لم يكن النفي عاما لوجوه القبول، وكان القبول كأنه