الفائدة صفرا، وذلك أن الزيادات والنقائص في الكلام إنما يضطر إليها يحمل عليها الشعر، الذي هو مقيد بالأوزان والقوافي، وينتهي إلى غايات ومرام، فإذا نقصت أجزاء كلامه قبل إلحاق القافية التي هي الغاية المطلوبة اضطر الانسان إلى أن يزيد في الحروف، فيمد المقصور، ويقطع الموصول، وما أشبه ذلك. وإذا زاد كلامه وقد هجم على القافية فاستوقفته عن أن يتقدمها، وأخذت بمخففه دون تجاوزها، اضطر صاحبه إلى النقصان من الحروف، فقصر الممدود، ووصل المقطوع وما أشبه ذلك، حتى يعتدل الميزان، وتصح الأوزان.
فاما إذا كان الكلام محلول العقال، مخلوع الإزار، ممكنا من الجري في مضماره، غير محجوز بينه وبين غاياته، فإن شاء صاحبه أرسل عنانه فخرج جامحا، وإن شاء قدع لجامه فوقف جانحا، لا يحصره أمد دون أمد، ولا يقف به حد دون حد، فلا تكون الزيادات فيه إلا عيا واستراحة، وتغوثا وإلاحة، وهذه منزلة نرفع عنها كلام الله سبحانه الذي هو المتعذر المعوز، والممتنع المعجز، وكل كلام إنما هو مصل خلف سبقه، وقاصر عن بلوغ أدنى غاياته، بل قد يرتفع عن بلوغ هذه المنزلة كلام الفصحاء المقدمين، والبلغاء المحدثين، فضلا عما هو أعلى طبقات الكلام، وأبعد عن مقدورات الأنام، وإني لأقول - أبدا - لو كان كلام يلحق بغباره، أو يجري في مضماره بعد كلام الرسول صلى الله عليه وآله، لكان ذلك كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، إذ كان منفردا بطريقة الفصاحة، لا تزاحمه عليها المناكب، ولا يلحق بعقوه فيها الكادح الجاهد.
ومن أراد أن يعلم برهان ما أشرنا إليه من ذلك، فليمعن النظر في كتابنا الذي ألفناه ووسمناه بنهج البلاغة، وجعلناه يشتمل على مختار جميع الواقع إلينا من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في جميع الأنحاء والأغراض والأجناس