أشكل من الكتاب فيرد ما أشكل منه إلى ما اتضح منه وهذا أسد ما قيل في ذلك، والزيغ: هو الميل عن الحق إلى الباطل، وابتغاء الفتنة: طلبها، والفتنة: الضلال، وقيل: الشك.
والتأويل: ما آل إليه أمره والمراد باتباعهم للمتشابه ابتغاء الفتنة أن يتبعونه ويجمعونه طلبا للتشكيك في القرآن واضلال العوام كما فعله الزنادقة والقرامطة والطاعنون في القرآن أو يجمعونه طلبا لاعتقاد ظواهره كما فعلت المجسمة جمعوا ما في القرآن والسنة مما ظاهره الجسمية حتى اعتقدوا أن الباري جل شأنه جسم له صورة ذات وجه وعين وجنب ويد ورجل وأصبع تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وكلا الفريقين كافر، وأما من اتبعه ليأوله من عند نفسه فذلك مختلف في جوازه والأظهر وجوب الحمل على خلاف ظاهره وصرف تعيينه وتأويله إلى أهله والحق عند أصحابنا أن الراسخين في العلم أيضا يعلمون تأويله كما دل عليه هذا الخبر وغيره، وأما العامة فقال عياض:
اختلف في الراسخين فقيل يعلمون تأويله فالواو في قوله تعالى (إلا الله والراسخون في العلم) عندهم عاطفة (ويقولون) في موضع الحال من الراسخين لا منهم ومن الله لأن الله سبحانه لا يقول ذلك، وقيل: لا يعلمون فالواو عندهم للاستيناف والراسخون مبتدأ وخبره يقولون وكلا الوجهين محتمل وإنما يعتضد أحدهما بمرجح لا يبلغ القطع وكاد أن يكون علم الراسخين بالمتشابه من المتشابه انتهى.
وقال: المازري: والأول أصح لأنه يبعد أن يخاطب الله تعالى الخلق بما لا يعرفونه وقد اتفق أصحابنا وغيرهم على أنه يستحيل أن يتكلم الله سبحانه بما لا يفيد. هذا كلامه.
قوله (والذين يعلمون إذا قال العالم فيهم بعلم فأجابهم الله) الموصول مع صلته مبتدأ والشرط مع جوابه خبر وجعل قوله فأجابهم خبرا باعتبار تضمن المبتدأ معنى الشرط يوجب خلو الشرط عن الجزاء، والتقدير خلاف الأصل مع عدم الحاجة إليه، وفي بعض النسخ «فيه» بدل «فيهم» وهو الأظهر، وأجاب بمعنى قبل، ومن أسمائه تعالى المجيب وهو الذي يقابل الدعاء والسؤال والقول والعمل بالقبول ولعل المقصود أن الذين يعلمون تأويل المتشابه إذا قال العالم في تأويله أو فيما بين الناس بعلم ويقين: آمنا به، فأجابهم الله تعالى وقبل قولهم ومدحهم بقوله (يقولون آمنا به) أي بالمتشابه. كل من المتشابه والمحكم من عند ربنا لحكمة مقتضية لهما، وفيه مدح لهم بالعلم بالتأويل الحق والتصديق به، وفي أكثر النسخ المعتبرة (والذين لا يعلمون) قال الفاضل الأمين الأسترآبادي (يقولون آمنا به) خبر لقوله (والذين لا يعلمون تأويله) وهذا جواب علمهم الله تعالى ليأتوا بهذا الجواب إذا سمعوا من العالم تأويلا بعيدا عن أذهانهم ثم أشار إلى التعميم بعد التخصيص بقوله: «والقرآن خاص وعام ومحكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ فالراسخون في العلم