شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٥ - الصفحة ١٠٦
جهات ست محسوسة كذلك للإنسان الحقيقي وهو النفس المدركة للمعقولات جهات ست معقولة، وأخذه من جميع الجهات كناية عن عدم إبقاء طريق له في باب المناظرة وذلك لأنه أشار إلى أن خروجه لم يكن مشروعا بأن أباه وأخاه مع كونهما أفضل منه لم يخرجا، ثم صرح بذلك حيث حكم بنجاة المتخلف عنه وهلاك الخارج معه مع الإيماء إلى وجود حجة غيره، ثم دفع ما تمسك به على عدم وجوده من أن أباه لم يخبره به بأن عدم الاخبار للشفقة والخوف من النار لعدم إطاعته مع التصريح بأن أباه أخبر به غيره وهو المقصود بذكر هذا الحديث. في هذا الباب ويمكن أن يكون قوله (والخارج معك هالك) أخذا من بين يديه وقوله «فالمتخلف عنك ناج» أخذا من خلفه وقوله «إن كان أباك وأخاك خرجت معه» أخذا عن يمينه ويساره وقوله «أخبرني» يعني بالحجة أخذا من فوقه وقوله «لم يخبرك خاف عليك أن لا تقبله فتدخل النار» أخذا من تحته. وفي هذه الرواية دلالة واضحة على ذم زيد (1) وقال الفاضل الأسترآبادي في كتاب الرجال: هو جليل

١ - قوله «دلالة واحدة على ذم زيد» لا نسلم وضوح الدلالة ومنطوق الحديث أن مؤمن الطاق تلطف في الكف عن إجابة زيد وإبداء العذر للتخلف عنه وعدم الخروج معه، ويدل على كون مؤمن الطاق مصيبا في تخلفه لا في قياسه، وأنه يجوز للأنبياء والأئمة (عليهم السلام) إخفاء الحكم شفقة على من يعلم أنه يعصي ولو كان مصيبا فقد ظلم النبي (صلى الله عليه وآله) أبا جهل وأبا لهب وغيرهما إذ دعاهم إلى الإيمان وعرضهم على العقاب وكان مقتضى الرحمة والشفقة أن لا يدعوهم مع علمه بأنهم لا يؤمنون على أن عدم علم زيد بإمامة أبيه يخالف العادة ولا يصدقه العقل وكيف يمكن أن يخفى على زيد بعد أربعين سنة وهو في بيت الإمامة دعوى أبيه وأخيه وقد علم ذلك منهم الأباعد وهل يتعقل أن يخفي زين العابدين (عليه السلام) عن زيد كونه إماما مع علمه بأن ذلك لا يمكن أن يخفى في مدة أربعين سنة؟ ونحن مع الاعتراف بجلالة قدر زيد وعظيم منزلته لا ندعي عصمته ولعله أخطأ في الخروج لعذر وزعم أن ذلك جائز له وقد أغضبه هشام ولم ير للتخلص من الإهانة إلا دعوة أهل الكوفة أو رأى أن أخاه لا يخرج لحفظ الدماء وصيانة الأموال والإشفاق على الشيعة ولو قدر أحد من أهل البيت وجماعة من الشيعة رضوا بالجهاد واستولوا على الإمارة لرضى به أخوه وقبل منه، وهذه الأمور غير بعيدة من صلحاء الشيعة إذ لم يكونوا معصومين، وأما مؤمن الطاق فم يكن معصوما مع شدة اتصاله بالأئمة (عليهم السلام) ودفاعه عن مذهبهم ولم يكن كلامه حقا كله وإن أسكت زيدا وتخلص من متابعته، ولا يدل تحسين الإمام على أكثر من ذلك، وروت العامة أن زيدا لم يتبرأ من الشيخين ولذلك رفضه أهل الكوفة ويسمون الشيعة رافضة لهذه العلة ولعله لم ير المصلحة في التبرئ كما لم يتبرأ أمير المؤمنين (عليه السلام) في أيام خلافته إلا إيماء بالتضجر وربما ذكرهما بالخير ولم يكن الأئمة (عليهم السلام) متظاهرين به أيضا ولعل اختلاف الأحول مع زيد كان راجعا إلى ذلك لا إلى إنكار إمامة أبيه وأخيه (عليهم السلام) بأن يكون الأحول يريد منه التظاهر بالتبري وكان زيد ينكر لزوم ذلك ويستدل بأن أباه لم يأمره به ولو كان لا يتم الإيمان إلا بالتظاهر في كل محفل بالتبرىء منهما لأمره به، وهذا وإن كان بعيدا من ظاهر لفظ الحديث من جهة قول الأحول «فإن كان لله في الأرض حجة - إلى آخره» لكن سكت زيد عن جوابه ولم يقل إنه ليس لله في الأرض حجة وعدل عنه إلى قوله «أخبرك بالدين ولم يخبرني به» فيمكن حمله على حكم آخر من أحكام الدين ولابد من ذلك لئلا يخالف ما هو معلوم في العقل والعادة من كون زيد عالما بدعوى أبيه وأخيه الإمامة وعدم إمكان جهله به عادة. والله العالم بحقائق الأمور. (ش)
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 110 111 112 ... » »»
الفهرست