الرضا (عليه السلام) لسليمان المروزي وهو كان منكرا للبداء وطلب منه (عليه السلام) ما يدل عليه من القرآن قوله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله) (فتول عنهم فما أنت بملوم) ثم بدا لله تعالى فقال (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) يريد (عليه السلام) أنه تعالى أراد إهلاكهم (1) لعلمه بأنهم لا يؤمنون وأراد بقاءهم لعلمه بأنه يخرج من أصلابهم المؤمنون، فرجح بقاءهم وحكم به تحقيقا لمعنى الإيمان.
ومنها: محو ما ثبت وجوده (2) في وقت محدود بشروط معلومة ومصلحة مخصوصة وقطع استمراره بعد انقضاء ذلك الوقت والشروط والمصالح سواء ثبت بدله لتحقق الشروط والمصالح في إثباته أو لا، ومن هذا القبيل: الإحياء والإمانة والقبض والبسط في الأمر التكويني ونسخ الأحكام بلا بدل أو معه في الأمر التكليفي.
والنسخ أيضا داخل في البداء كما صرح به الصدوق في كتابي التوحيد والاعتقادات. ومن أصحابنا من خص البداء بالأمر التكويني وأخرج النسخ عنه وليس لهذا التخصيص وجه يعتد به (3) وإنما سميت هذه المعاني بداء لأنها مستلزمة لظهور شيء على الخلق بعد ما كان مخفيا عنهم، ومن ثم عرف البداء بعض القوم بأنه أن يصدر عنه تعالى أثر لم يعلم أحد من خلقه قبل صدوره عنه أنه يصدر عنه. واليهود أنكروا البداء وقالوا (يد الله مغلولة) (غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا) وهم يعنون بذلك أنه تعالى فرغ من الأمر فليس يحدث شيئا، ونقل عنهم أيضا: أنه تعالى لا يقضي يوم السبت شيئا، ويقرب منه قول النظام من المعتزلة: إن الله تعالى خلق الموجودات دفعة واحدة على ما هي عليه الآن معادن ونباتا وحيوانا وإنسانا ولم يتقدم خلق آدم على خلق أولاده، والتقدم والتأخر إنما يقع في ظهورها من مكانها دون حدوثها ووجودها، وكأنه أخذ ذلك من الكمون والظهور من مذهب الفلاسفة. ونقل صاحب الكشاف عن الحسين بن الفضل ما يعود إلى هذا المذهب وهو أن عبد الله بن طاهر دعا الحسين ابن الفضل وذكر أن من آيات أشكلت عليه قوله عز من قائل (كل يوم هو في شأن) وقد صح «أن القلم جف بما هو كاين إلى يوم القيامة» فقال الحسين: أما قوله (كل يوم هو في شأن) فإنها شؤون يبديها لا شؤون يبتديها (4)، وهذه المذاهب عندنا باطلة لأنه تعالى يحدث ما يشاء