شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٥٨
قال سبحانه (ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم) أو المراد به آلات النطق من المعضلات ومخارج الحروف والأصوات، أو المراد به ما نطق به العباد الهادين للخلق من الكلام المشتمل على الحكمة البالغة والنصيحة الكاملة التي بها يهتدون إلى طريق الهداية ويجتنبون سبيل الضلال.
(وما أرسل به الرسل) المراد به المعجزات والكرامات وخوارق العدات الخارجة عن قدرة البشر الدالة على وجود الصانع المختار، أو المراد به الشرايع المشتملة على القوانين العدلية والأحكام الإلهية المبتنية على الحكم والمصالح الجلية والخفية التي بها يتم نظام العالم وسعادة بني آدم.
(وما أنزل على العباد) المراد الماء الذي به حياتهم ومعاشهم وحياة الحيوانات والنباتات أو النعماء الظاهرة والباطنة أو المصايب والنوايب التي لا يقدرون على دفعها على أنفسهم أو أنواع الخزي والنكال على الأمم السابقة مثل الطوفان والغرق وغيرهما.
(دليلا على الرب) أي كل واحد من هذه الأمور الثمانية دليل قاطع وبرهان ساطع (1) لمن له عقل سليم وطبع مستقيم على وجود الرب وربوبيته وعلمه وقدرته وتوحيده في الذات والصفات.

1 - قوله «دليل قاطع وبرهان ساطع» لم أجد في كلام أحد ممن تعرض لهذا الأصل الأصيل أجمع وأكمل وأوضح مما في هذا الحديث فقد جمع أدلة معرفة الله تعالى في لفظ وجيز بليغ غاية البلاغة فاعرف قدره وانظر فيه بعين البصرة وتأمل فيما ذكرته في شرحه، ونفس صدور هذا الكلام من صاحبه دليل على صدق قائله (عليه السلام) فابتدء بالبرهان الإنى أعني بخلق الرب المسخر ثم ذكر منبهات ثلاثة وجدانية يبعث النفس على الشهود بقدر ما يمكن للناس من سنخ ما يحصل لكمل الأولياء من الوجدان العرفاني، ثم ذكر البرهان اللمي وهو برهان الصديقين هذا كله لأن يجد الإنسان في نفسه دليل ربه ثم ذكر ثلاثة براهين من اعتبار وجدان غيره وهو ما نطق به ألسن العباد وما أرسل به الرسل وما أنزل على العباد.
وأني أرى أن مراده (عليه السلام) بما أنزل على العباد البراهين والأدلة التي ألهم الحكماء والعقلاء والأسرار التي تنبه لها العرفاء وما اتفق للناس من الرؤيا الصالحة والتجارب المكررة وما حصل من الفتوح للصالحين واستجيب من دعاء الداعين وعوفي من مرضى المتوسلين وغير ذلك مما لا يحصى فإن جميع ذلك دلالة على المبدء المبدء الحق جلت قدرته «وما أرسل به الرسل» وإن قال الشارح إنه المعجزات وأخذ منه المجلسي (رحمه الله) ولكن الحق تخصيص ذلك ببعض معجزاتهم كالأخبار بالغيب والبراهين المنطقية وأما المعجزات الكونية فلا يدل على وجوده تعالى بل يدل على صدق النبي بعد الاعتراف بوجوده تعالى وبكونه حكيما لا يريد اضلال الناس وأنه لا يجري المعجزة على يد الكاذب فأثبته تعالى بصدق النبي وإثبات صدق النبي بالمعجزة وإثبات المعجزة بأنه تعالى حكيم لا يريد إضلال الناس مستلزم للدور وإن أصر بعضهم على خلافه وأما الأخبار بالغائبات فقد تواتر عن موسى وعيسى (عليهما السلام) ونبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) بقرائن قطعية لا يدخلها شك، ولا ريب أنه لا يعلم ما سيقع بعد سنين أحد من موجودات هذا العالم الجسماني وأفضلهم الإنسان ولا يتأثر الحواس عما لم يوجد بعد فهو من الله والملائكة المقربين الذين أزمة الأمور طرا بيدهم ويعلمون ما يعملون فيما يأتي من الزمان. (ش)
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»
الفهرست