شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٢٧١
الايجاد (1) بنفسها من غير إضافة الوجود عليها بتعلق الجعل على نفس تلك المهية أولا.
ثم خلق الأشياء بتلك المهية بسبب إضافة الوجود عليها وجعلها متعلقة بتلك الأشياء ومربوطة بها فالمشية وخلقها من صفاته الفعلية، أو أن الله تعالى خلق المشية والإيجاد يعني قدرها تقديرا صالحا لنظام الكل بل لنظام كل شيء ثم خلق الأشياء بتلك المشية المقدرة في الأزل على ما يقتضيه التقدير الأزلي، فالمشية من صفاته الفعلية وخلقها يعني تقديرها ووزنها من صفاتها الذاتية الأزلية.
وقال سيد المحققين (رحمه الله): المراد بالمشية هنا إرادة المخلوقين (2) المراد أنه تعالى خلق إرادتهم بنفسها لا بمشية اخرى مباينة لها إذ قد عرفت أن الروية والهمة والشوق المتأكد التي منها يتقوم حقيقة المشية إنما يكون لاولى الاختيار من المخلوقات والخالق سبحانه متقدس عن ذلك «ثم خلق الأشياء» يعني أفاعيلهم المترتب وجودها على تلك المشية بتلك المشية وبذلك تنحل تشكك المتشككين أنه لو كانت أفعال العباد مسبوقة بإرادتهم واختيارهم سبقا بالذات لكانت الإرادة أيضا مسبوقة بإرادة اخرى وكان تسلسل الإرادات متماديا إلى ما لا نهاية له (3).

1 - قوله «خلق مهية الإيجاد» حاصله أن المجعول بالأصالة هو الوجود والمهيات مجعولة بالعرض والمعنى أنه تعالى خلق الأشياء بإفاضة الوجود عليها وخلق الوجود بنفسه إذ ليس جعل الوجود بإفاضة وجود عليه بل بإفاضته. وأما مصحح إطلاق المشيئة على الوجود وعلاقة المجاز التي روعيت فيه فيأتي في كلام صدر المتألهين (قدس سره). (ش) 2 - قوله «إرادة المخلوقين» والشارح نقل عبارة السيد بالمعنى، وفي مرآة العقول وكذا الوافي نقل قوله هكذا «أن المراد بالمشية ههنا مشيئة العباد لأفعالهم الاختيارية لتقدسه سبحانه عن مشيئة مخلوقة زائدة على ذاته عز وجل آه».
وقال الفيض (رحمه الله) ما ذكره خلاف الظاهر من الحديث وكيف لا يكون له مشيئة مخلوقة وحديث ابن مسلم الآتي نص في ذلك لا يحتمل التأويل ثم فسر هذا الحديث بوجه آخر لا حاجة إلى نقله وقال نظير ذلك ما يقال إن الأشياء إنما توجد بالوجود وأما الوجود نفسه فلا يفتقر إلى وجود آخر بل إنما يوجد بنفسه فافهم راشدا ومرجعه إلى ما يأتي من تأويل صدر المتألهين (قدس سره). (ش) 3 - قوله «إلى ما لا نهاية له» هذا آخر كلام المحقق الداماد واعلم أن العلامة المجلسي (رحمه الله) نقل خمسة وجوه في تأويل الحديث وتأويل السيد ثالثها، ثم قال الرابع ما ذكره بعض الأفاضل ونقل كلام صاحب الوافي إلى آخره بحذف قوله أخيرا «فافهم راشدا».
ثم قال الخامس ما ذكره بعض المحققين ومراده صدر المتألهين (قدس سره) فإنه بعدما حقق في شرح الحديث السابق أن إرادة الله المتجددة هي نفس أفعاله المتجددة الكائنة الفاسدة فإرادته لكل حادث بالمعنى الإضافي يرجع إلى إيجاده وبمعنى المرادية ترجع إلى وجوده قال: نحن إذا فعلنا شيئا بقدرتنا واختيارنا فأردناه أولا ثم فعلناه بسبب الإرادة فالإرادة نشأت من أنفسنا بذاتها لا بإرادة أخرى وإلا لتسلسل الأمر إلى لا نهاية فالإرادة مراده لذاتها والفعل مراد بالإرادة وكذا الشهوة في الحيوان مشتهاة لذاتها لذيذة بنفسها وساير الأشياء مرغوبة بالشهوة فعلى هذا المثال حال مشيئة الله المخلوقة وهي نفس وجودات الأشياء فإن الوجود خير ومؤثر لذاته ومجعول بنفسه والأشياء مشيئة بالوجود وكما أن الوجود حقيقة واحدة متفاوتة بالشدة والضعف والكمال والنقص فكذلك الخيرية والمشيئة وليس الخبر المحض الذي لا يشوبه شر إلا الوجود البحت الذي لا يمازجه عدم ونقص وهو ذات الباري جل مجده فهو المراد الحقيقي إلى آخر ما حققه. انتهى كلام المجلسي (رحمه الله) وهو نفس عبارة صدر المتألهين وحكى بعده كلاما لابن سينا لم ينقله المجلسي (ره) ومن العجائب في هذا الحديث تفسير القزويني المشيئة بالماء فإنه مادة لأن كل موجود وهو ساقط لأن المجردات ليست من الماء. (ش)
(٢٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 ... » »»
الفهرست