شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٢٦٠
عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال في صفة القديم: إنه واحد صمد أحدي المعنى، ليس بمعاني كثيرة مختلفة، قال: قلت: جعلت فداك يزعم قوم من أهل العراق أنه يسمع بغير الذي يبصر ويبصر بغير الذي يسمع قال: فقال: كذبوا وألحدوا وشبهوا تعالى الله عن ذلك، إنه سميع بصير يسمع بما يبصر ويبصر بما يسمع، قال: قلت: يزعمون أنه بصير على ما يعقلونه، قال فقال: تعالى الله إنما يعقل ما كان بصفة المخلوق وليس الله كذلك.
* الشرح:
(علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن حماد، عن حريز، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال في صفة القديم أنه واحد) متنزه عن التركيب الخارجي والذهني والتعدد وما يتبعها من الجسمية والتحيز وغيرهما (صمد) مرجع لجميع الكائنات لكون وجوده وكماله نفس ذاته ووجوداتها وكمالاتها مستندة إليه.
(أحدي المعنى) قد يراد به أنه لا يشاركه شيء في وجوده ووجوبه وربوبيته وغيرها من الصفات الذاتية والفعلية وقد يراد به أنه ليس له صفات زايدة على ذاته فعلى الأول قوله (ليس بمعاني كثيرة مختلفة) تأسيس، وعلى الثاني تفسير وتأكيد يعني ليس هو موصوفا بصفات متعددة مختلفة زايدة عليه لتنزهه عن الاتصاف بالصفات والاحتياج إليها، ولحوق النقص به في مرتبة ذاته، ومشاركة الغير معه في القدم والوجود الأزلي، ولما علم محمد بن مسلم أنه لا يتصف بالمعاني المختلفة استعلم عن قول من أثبتها له فلذلك:
(قال: قلت: جعلت فداك يزعم قوم من أهل العراق أنه يسمع بغير الذي يبصر، ويبصر بغير الذي يسمع) يعني يزعمون أن له معنيين مختلفين ووصفين متغايرين يسمع بأحدهما ويبصر بالآخر فهو عندهم موصوف بمعاني مختلفة وهذا الكلام يحتمل وجهين أحدهما أنهم يزعمون أنه يسمع بالأذن ويبصر بالعين كالإنسان، وثانيهما أنهم يزعمون أن سمعه وبصره إدراكان قائمان به من غير آلة (قال: فقال كذبوا) على الله «ويوم القيمة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة» (وألحدوا) حيث عدلوا عن منهج الصواب في معرفة الصانع (وشبهوا) حيث أجروا عليه أحكام الخلق، وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «قال الله عز وجل ما آمن بي من شبهني بخلقي» (1).
(تعالى الله عن ذلك، إنه سميع بصير يسمع بما يبصر ويبصر يما يسمع) أي يسمع بما به يبصر ويبصر بما به يسمع، يعني يسمع ويبصر بنفس ذاته الحقة المجردة عن شائبة التكثر والتوصيف،

1 - رواه الطبرسي في كتاب الاحتجاج من حديث الرضا (عليه السلام) عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) هكذا «ما آمن بي من فسر برأيه كلامي، وما عرفني من شبهني بخلقي - «الحديث».
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»
الفهرست