شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٢٦٧
وفي بعض النسخ المصححة المعتبرة «السابق المشية» بنصب المشية على أنها مفعول اسم الفاعل المعرف باللام، وفي بعضها «سابق للمشية» ومعنى الجميع واحد وهو أن علم تعالى سابق على مشيته وإرادته التي هي الإيجاد فليست مشيته المتأخرة نفس علمه المتقدم عليها وهذا الكلام كالتأكيد لما فهم من الكلام السابق أو كالنتيجة له أو دليل آخر على أن مشيته غير علمه.
فإن قلت هل يجوز أن يراد بالمشية في السؤال والجواب الإرادة التي هي عين ذاته المتعلقة بكل خير ومصالح أم لا؟ قلت: الظاهر لا لأن هذه الإرادة هي عين علمه بكل خير عند المحققين لا صفة زائدة عليه ولأن إرادة هذه الإرادة لا توافق ظاهر قوله: «إن شاء الله دليل على أنه لم يشأ» إذ معناه حينئذ سأفعل كذا إن كان هذا الفعل من الخيرات التي تعلقت إرادته الذاتية الحقة بأنها خير وعدم وجود هذا الفعل في زمان التكلم لا يدل على أنه لم يتعلق إرادته الذاتية بأنه خير من الخيرات وإنما يدل ذلك على أنه لم تتعلق به الإرادة الحادثة التي هي عين الإيجاد وكذا لا توافق ظاهر قوله «وعلم الله سابق المشية» لأن سبق علمه تعالى على المشية بهذا المعنى غير ظاهر بل غير متصور.
* الأصل:
3 - أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى قال: قلت: لأبي الحسن (عليه السلام): أخبرني عن الإرادة من الله ومن الخلق قال: فقال: الإرادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل. وأما من الله تعالى فإرادته إحداثه لا غير ذلك لانه لا يروي ولا يهم ولا يتفكر وهذه الصفات منفية عنه وهي صفات الخلق، فإرادة الله الفعل لا غير ذلك يقول له: كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همة ولا تفكر ولا كيف لذلك، كما أنه لا كيف له.
* الشرح:
(أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام):
أخبرني عن الإرادة من الله ومن الخلق) سأل عن الفرق بين إرادة الله تعالى وإرادة الخلق وطلب معرفة حقيقتهما.
(قال: فقال: الإرادة من الخلق الضمير) أي تصور الفعل وتوجه الذهن إليه (وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل) «من» صلة ليبدو لا بيان لما، لأن الفعل هو المراد دون الإرادة، اللهم إلا أن يراد بالفعل مقدمات الإرادة (1) مثل تصور النفع والإذعان به والشوق إليه والعزم له وتحريك القدرة إلى

1 - قوله «مقدمات الإرادة» أول ما يبدو للمريد تصور المعنى فإنه إن لم يتصور المعنى لم يكن فاعلا بالإرادة بل هو فاعل طبيعي بلا شعور، ثم أنه ليس كل من تصور المعنى يطلبه كشبعان يتصور الطعام بل لا بد من ضم صفة أخرى إلى التصور وهو الشوق ولكن ليس كل من تصور معنى واشتاق يطلبه كجائع يتصور الطعام ويشتاق إليه ولا يكون عنده الثمن ليشتريه مثلا بل لا بد له وجود أسباب وفقد موانع حتى يعزم فإذا عزم لا بد أن يحرك عضلاته في طلبه فربما تطاوعه العضلات وربما لا تطاوعه فهذه مقدمات أربع يتخللها التصديق بحصول نفع أو دفع ضرر وهذا سبب حصول الشوق.
والإرادة في اصطلاحهم تطلق على ثلاثة أمور: الأول: هذا المعنى المركب من المقدمات الأربع التي تترتب عليه الفعل البتة، الثاني: مرتبة الشوق المذكور وهي في مقابل الكراهة ويستعملها الفقهاء كثيرا في هذا المعنى، ويمكن اجتماع الكراهة والإرادة بالنسبة إلى شيء واحد باعتبارين كصلاة في بيت مغصوب فإنها مطلوبة ومرادة باعتبار ومكروهة باعتبار ولا يمكن الاجتماع فيها بالمعنى الأول، الثالث: العلم بالنفع في اصطلاح المتكلمين.
فإن قيل إذا كان التصديق بجلب نفع أو دفع ضر يتخلل مقدمات الإرادة وكانت إرادة الله تعالى على ما ورد في الأخبار وتطابق عليه علماؤنا خالية عن هذه المقدمات مطلقا بل ليست إلا العلم بالنفع وصدور الفعل لزم كون أفعال الله تعالى خالية عن الأغراض والغايات كما يقول به الحكماء.
أقول خلو الأفعال عن الغاية مذهب المعطلة والملاحدة والقائلين بالبخت والاتفاق وأما الحكماء الإلهيون فأبطلوا قولهم وردوا عليهم كما مر استشهاد الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) بقول أرسطو في ردهم وفي الشفا أبواب وفصول في نقض مذهبهم وفي القانون أيضا في باب منافع الأعضاء والتشريح أثبت العناية الإلهية في خلق كل عضو بل في مقداره وشكله وتركيبه وشقوقه وغير ذلك فراجع، وأما نفي الغرض فلأن اصطلاحهم وقع واستقر على ما يكمل به الفاعل وليس واجب الوجود يفعل ليكمل بل كماله سبب لفعله بخلاف الممكن فإن فعله سبب كماله. (ش)
(٢٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 ... » »»
الفهرست