وفي بعض النسخ المصححة المعتبرة «السابق المشية» بنصب المشية على أنها مفعول اسم الفاعل المعرف باللام، وفي بعضها «سابق للمشية» ومعنى الجميع واحد وهو أن علم تعالى سابق على مشيته وإرادته التي هي الإيجاد فليست مشيته المتأخرة نفس علمه المتقدم عليها وهذا الكلام كالتأكيد لما فهم من الكلام السابق أو كالنتيجة له أو دليل آخر على أن مشيته غير علمه.
فإن قلت هل يجوز أن يراد بالمشية في السؤال والجواب الإرادة التي هي عين ذاته المتعلقة بكل خير ومصالح أم لا؟ قلت: الظاهر لا لأن هذه الإرادة هي عين علمه بكل خير عند المحققين لا صفة زائدة عليه ولأن إرادة هذه الإرادة لا توافق ظاهر قوله: «إن شاء الله دليل على أنه لم يشأ» إذ معناه حينئذ سأفعل كذا إن كان هذا الفعل من الخيرات التي تعلقت إرادته الذاتية الحقة بأنها خير وعدم وجود هذا الفعل في زمان التكلم لا يدل على أنه لم يتعلق إرادته الذاتية بأنه خير من الخيرات وإنما يدل ذلك على أنه لم تتعلق به الإرادة الحادثة التي هي عين الإيجاد وكذا لا توافق ظاهر قوله «وعلم الله سابق المشية» لأن سبق علمه تعالى على المشية بهذا المعنى غير ظاهر بل غير متصور.
* الأصل:
3 - أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى قال: قلت: لأبي الحسن (عليه السلام): أخبرني عن الإرادة من الله ومن الخلق قال: فقال: الإرادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل. وأما من الله تعالى فإرادته إحداثه لا غير ذلك لانه لا يروي ولا يهم ولا يتفكر وهذه الصفات منفية عنه وهي صفات الخلق، فإرادة الله الفعل لا غير ذلك يقول له: كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همة ولا تفكر ولا كيف لذلك، كما أنه لا كيف له.
* الشرح:
(أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام):
أخبرني عن الإرادة من الله ومن الخلق) سأل عن الفرق بين إرادة الله تعالى وإرادة الخلق وطلب معرفة حقيقتهما.
(قال: فقال: الإرادة من الخلق الضمير) أي تصور الفعل وتوجه الذهن إليه (وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل) «من» صلة ليبدو لا بيان لما، لأن الفعل هو المراد دون الإرادة، اللهم إلا أن يراد بالفعل مقدمات الإرادة (1) مثل تصور النفع والإذعان به والشوق إليه والعزم له وتحريك القدرة إلى