شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٢٦٩
وإجالة الهمة وتحريك الشوق والعزم وارتكاب التعمق في الأمور والتفكر في أمر عاقبتها.
(وهذه الصفات منفية عنه) لأنها من لواحق النفوس البشرية وتوابع الجهل ونقصان العلم وهو سبحانه منزه عن جميع ذلك (وهي صفات الخلق) لاحتياجهم في تحصيل مقاصدهم وتكميل أفعالهم على وفق مطالبهم إلى حركات فكرية وهمة نفسانية وأشواق روحانية وآلات بدنية بحيث لو فقدت إحداها بقوا متحيرين جاهلين لا يجدون إلى وجه الصواب دليلا ولا إلى طريق الفعل سبيلا.
(فإرادة الله تعالى الفعل) أي الإيجاد (1) والاحداث (لا غير ذلك) من الضمير المشتمل على

1 - قوله «فإرادة الله تعالى الفعل أي الإيجاد» قال الشيخ المفيد (قدس سره): إن الإرادة من الله جل اسمه نفس الفعل ومن الخلق الضمير وأشباهه مما لا يجوز إلا على ذوي الحاجة والنقص وذلك لأن العقول شاهدة بأن القصد لا يكون إلا بقلب كما لا يكون الشهوة والمحبة إلا لذي قلب ولا يصح النية والعزم إلا على ذي خاطر يضطر معها في الفعل الذي يغلب عليه الإرادة له والنية فيه والعزم ولما كان الله تعالى يجل عن الحاجات بطل أن يكون محتاجا في الأفعال إلى القصود والعزمات وثبت أن وصفه بالإرادة مخالف في معناه لوصف العباد وأنها نفس فعله الأشياء، بذلك جاء الخبر عن أئمة الهدى (عليه السلام) إلى آخر ما قال وهذا عين مذهب الحكماء ألا ترى إلى قوله «بطل أن يكون محتاجا في الأفعال إلى القصود والعزمات».
وههنا شبهات مبنية على عدم تدبر الأمور كما هي أو على الاختلاف في الاصطلاح منها أنه لو كان الإرادة هي العلم بالأصلح ولا شيء يزيد عليه من هم وعزم لزم كون الحوادث الزمانية قديمة إذ العلم قديم وتعلق العلم قديما بشيء يوجب كون ذلك الشيء ما دام العلم إذ لا يؤثر في وجود الشيء من الباري إلا علمه، والجواب أن العلم مطابق للمعلوم فإذا تعلق علمه بوجود الشيء في الزمان المعين لم يحدث المعلوم إلا في الزمان المعين ومنها أن العلم بالأصلح حاصل للباري تعالى بل هو عين ذات الباري فلزم وجوب ترتب الأصلح على ذاته وامتناع ترتب غير الأصلح وهذا يوجب كونه تعالى فاعلا غير مختار كالطبايع يجب صدور ما يجب عنه ويمتنع ما يمتنع، والجواب ان للإمكان اصطلاحين الإمكان الذاتي والإمكان الوقوعي والأول صفة الشيء في ذاته والثاني صفته بالنظر إليه مع جميع ما يصحبه ويحيط به من الأوضاع مثلا صدور المعصية عن الأنبياء غير ممكن بالنظر إلى عصمتهم واستلزام عدم حجية أقوالهم وأفعالهم وهذا نفي الإمكان الوقوعي ولا يوجب كونهم مضطرين إلى ترك المعصية حتى لا يكون هذا فضيلة، وكذلك نعلم أن الملحد الجائع في البيت الخالي والطعام حاضر لا يبالي بشهر رمضان ويفطر البتة ونقطع بذلك قبل الوقوع لعدم تطرق احتمال الصيام في حقه وهذا لا يوجب اضطراره إلى الإفطار مع عدم احتمال غير الإفطار منه فما يقال إن القادر المختار هو الذي يصح أو يحتمل أو يمكن صدور الفعل والترك منه مبنى على مسامحة ما إذ قد لا يصح أو لا يمكن بالإمكان الوقوعي منه إلا شيء واحد الفعل أو الترك ومع ذلك هو فاعل مختار لا يختار إلا الطرف الواحد، منها أن الفاعل المختار لا يمكن أن يكون فعله قديما وهذا غير متصور لنا إذ يمكن أن تتعلق إرادته بان يكون في كل زمان له مخلوق من الأزل ولا ينقض إرادة الفاعل المختار بذلك وإنما يثبت حدوث العالم زمانا عند من ثبت بدليل آخر. (ش)
(٢٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 ... » »»
الفهرست