وهذا الجواب دافع لكلا الاحتمالين ولكن لما فهم ابن مسلم من قوله (عليه السلام) شبهوا أنه أجاب عن سؤاله على الاحتمال الأول وحكم بأن ذلك يوجب تشبيهه تعالى بخلقه في الجسمية والافتقار إلى الآلة أعاد السؤال لبيان أن المراد هو الاحتمال الثاني فلذلك:
(قال: قلت: يزعمون أنه بصير على ما يعقلونه) (1) أي يزعمون أنه بصير على الوجه الذي يعقلونه من معنى البصر وهو الذي يعبر عنه بالفارسية ب (ديدن) ويعقلون الواجب بهذا الوجه ويقولون لا معنى للبصر غير هذا المعنى وهذا المعنى أمر متحقق ثابت له قائم به بلا آلة العين ويزعمون أنه سميع على مثل هذا الوجه.
(قال: فقال تعالى الله إنما يعقل) على البناء للمفعول أي إنما يعقل بهذا الوجه (ما كان بصفة المخلوق وليس الله كذلك) أي بصفة المخلوق فتعقله بهذا الوجه أيضا تشبيه له بخلقه وفي بعض النسخ على ما يفعلونه وإنما يفعل بالفاء والعين المهملة بعدها يعني يزعمون أنه بصير على ما يفعلونه ويوجدونه من الإدراك البصري الذي يقوم بهم فمعنى أنه تعالى بصير أنه يوجد الإدراك الذي يقوم به فيكون البصير من الصفات الفعلية كما قيل مثل ذلك في العلم وتقرير الجواب واضح.
* الأصل:
2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو، عن هشام بن الحكم قال في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد الله (عليه السلام) أنه قال له: أتقول: إنه سميع بصير؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): هو سميع بصير، سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه، ويبصر بنفسه وليس قولي: إنه سميع بنفسه أنه شيء والنفس شيء آخر ولكني أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولا وإفهاما لك إذ كنت سائلا فأقول: يسمع بكله لا أن كله له بعض لأن الكل لنا [له] بعض ولكن أردت إفهامك والتعبير عن نفسي وليس مرجعي في ذلك كله إلا أنه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف معنى.