شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٢٤٤
وجوداتها واجبة لزم تعدد واجب الوجود بالذات وإن كانت ممكنة لزم افتقار الواجب الذات إلى الممكن، وبالجملة كان جل شأنه عليما سميعا بصيرا قديرا في الأزل بذاته المقدسة الأحدية لا بالمعنى المتعارف فينا، وإن لم يكن شيء من المعلومات والمسموعات والمبصرات والمقدورات موجودا فيه فذاته وعلمه وسمعه وبصره وقدرته شيء واحد وإنما يختلف بحسب اعتبارات يحدثها العقول بالقياس إلى المخلوقات، فإن ذاته المقدسة من حيث أنه لا يخفى عليها المعلومات علم ومن حيث أنه لا يخفى عليها المسموعات سمع وكذا البواقي.
(فلما أحدث الأشياء) بواسطة أو بغيرها (1) (وكان المعلوم) الظاهر أن «كان» تامة بمعنى وجد وإن في الكلام اختصارا أي كان المعلوم والمسموع والمبصر والمقدور (وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور) يعني وقع العلم على ما كان معلوما في الأزل وانطبق عليه لا على أمر يغايره ولو في الجملة، والمقصود أن علمه قبل الإيجاد هو بعينه علمه بعد الإيجاد والمعلوم قبله هو المعلوم بعينه بعده من غير تفاوت وتغير في العلم أصلا، وليس هناك تفاوت إلا تحقق المعلوم في وقت وعدم تحققه قبله. وليس المراد بوقوع العلم على المعلوم تعلقه به تعلقا لم يكن قبل الإيجاد لأن علمه تعالى متعلق به قبل الإيجاد وبعده على نحو واحد، وهذا الذي ذكره (عليه السلام) هو المذهب الصحيح الذي ذهب إليه الفرقة الناجية الإمامية وأكثر المخالفين، قال قطب المحققين في درة التاج: ذهب جمهور مشايخ أهل السنة والمعتزلة إلى أن العلم بأن الشيء سيوجد نفس العلم بذلك الشيء إذا وجد لأن من علم علما قطعيا بأن زياد يدخل البلد غدا عند طلوع الشمس مثلا يعلم بذلك العلم بعينه عند طلوع الشمس أنه دخل البلد، ولو احتاج أحدنا إلى تعلق علم آخر به فإنما احتاج إليه لطريان الغفلة عن العلم الأول والغفلة على الباري ممتنعة.
(قال: قلت: فلم يزل الله تحركا؟ قال: فقال: تعالى الله) من أن تعرضه الحركة (إن الحركة صفة محدثة بالفعل) لعل المراد بالتحرك التغير والانتقال من حال إلى حال فكان السائل توهم أن العلم والسمع والبصر والقدرة إذا كانت عين الذات ومتعلقها وهو المعلوم والمسموع والمبصر والمقدور

1 - قوله «بواسطة أو بغيرها» أو للتقسيم فإن الموجود قسمان الأول ما صدر منه تعالى بغير واسطة كالعقل الأول على مذهب المشائين والثاني ما صدر منه بواسطة كساير الممكنات وليس معنى الوساطة التفويض كما توهمه بعض المغفلين بأن يكون الأول تعالى أوجد العقل الأول ثم فوض أمر إيجاد غيره إليه بل لا مؤثر في الوجود إلا الله كما قال الحكماء ووساطة الوسائط نظير شفاء الأمراض بالأدوية وإزهاق النفس بالمسموم.
(ش)
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»
الفهرست