الصفات الحادثة والفعلية.
أقول: لا مجال لهذا التوهم بعد سماع السائل قوله (عليه السلام) ولا معلوم ولا مسموع ولا مبصر ولا مقدور وقوله فلما أحدث الأشياء (قال: قلت: فلم يزل الله متكلما) توهم أن الكلام من الصفات الذاتية وأنه مثل العلم ونحوه عين ذاته (قال: فقال: إن الكلام صفة محدثة ليست بأزلية كان الله تعالى ولا متكلم) اتفقت الامة على أنه تعالى متكلم وقد دلت عليه الآيات، والروايات من طرق العامة والخاصة وهم بعد ذلك اختلفوا في حدوثه وقدمه ومحله فذهب الإماميون رضوان الله عليهم أجمعين إلى أنه حادث لدلالة هذه الرواية وغيرها من الروايات المتكثرة المروية عن العترة الطاهرة على حدوثه ولأن الكلام عبارة عن الألفاظ المركبة والمعاني المرتبة ولا يعقل منه غيرهما ولا شك أن كل واحد منهما حادث وأيضا لو كان الكلام قديما لزم تحقق الخطاب والطلب في الأزل بدون المخاطب وأنه سفه لا يليق بجناب القدس، وإذا ثبت حدوثه ثبت أنه ليس عين ذاته تعالى لأن صفاته الذاتية الأزلية عين ذاته دون غيرها من الصفات الحادثة الفعلية ولا قايما بذاته تعالى لاستحالة حلول الحوادث فيه، بل هو قائم بالهواء أو بجبرئيل أو بالشجر أو بغيره من الأجسام الجمادية، وكونه تعالى متكلما عبارة عن إيجاد الكلام في هذه الأمور وأمثالها.
وأورد عليهم بعض متعصبي الأشاعرة الإيراد المشهور بين أصحابه وهو أنه لو جاز إطلاق المتكلم على شيء باعتبار كلام قائم بغيره لجاز إطلاق المتحرك عليه باعتبار حركة قائمة بغيره، ثم قال: والحق أن هذه المناقشة ضعيفة أما معنى فلأنه لا يمنع منه تعالى أن يخلق الأصوات المخصوصة في جسم حيواني أو جمادي ويجعلها دليلا على أنه تعالى مريد لشيء أو كاره له وأما لفظا فلأن النزاع إنما يرجع إلى أمر لغوي وهو أنه هل يصح بحسب اللغة إطلاق المتكلم على خالق تلك الأصوات في الأشياء المذكورة أم لا يصح بل يعتبر في صحة الإطلاق قيام المبدء المشتق منه به والأمر فيه هين فهذه المناقشة ليست بدافعة لقولهم وإنما الدافع له هو ثبوت الكلام النفسي القديم القايم بذاته تعالى.
أقول: لا دليل على اعتبار قيام المبدء ولا على ثبوت الكلام النفسي كما ستعرفه، وذهب الأشاعرة إلى أن له تعالى كلاما نفسيا قديما قايما بذاته كساير الصفات الذاتية عندهم ونحن لا نعرفه وهم أيضا لا يعرفونه وقد صدر ذلك عن لسان الأشعري مخالفا لجميع العقلاء السابقين، قال بعض أصحابنا ويؤيده ما نقل السيد معين الدين الايجي الشافعي في بعض رسائله عن بعض العلماء أنه قال ما تلفظ بالكلام النفسي أحد إلا في أثناء المائة الثانية ولم يكن قبل ذلك في لسان أحد انتهى.