شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٤
إليها؟ ولا يمكن التخلص منه إلا بأن يقال اقتضاء طبعه ذلك باعتبار مبدء قادر قاهر أعطاه ذلك الطبع باختياره، وهذا مع كونه مثبتا للمطلوب مدفوع بأنه لا يجوز إسناد (1) هذه الافعال المختلفة والآثار المتفاوتة المتباينة إلى الطبع لأن الطبع لا يصدر منه الضدان ولا ينشأ منه الفعلان المختلفان ولو في محلين فإنه لا يمكن أن تسخن النار في موضع وتبرد في موضع آخر، فوجب إسنادها بلا واسطة إلى فاعل قادر مختار يفعل ما يشاء بمجرد الإرادة والمشية، ولهذه العبارة احتمال آخر أظهر تركناه خوفا للإطناب وحوالة على أفهام أولي الألباب.
(القوم مضطرون) إلى الاعتراف بذلك والإقرار، فالمراد بالقوم الإنسان أو ذووا العقول على الإطلاق ويحتمل أن يراد بهم الموجودات الممكنة كلها من باب التغليب: يعني أن الموجودات مضطرون في الوجود وما يتبعه من الصفات ولوازم المهيات وما يتصف به المتحركات كالشمس والقمر وسائر السيارات من الذهاب والعود والطلوع والغروب إلى غير ذلك من الأحوال وهذا الكلام على هذا الاحتمال تأكيد لما سبق وتقرير لما مر من أن هذه الآثار لا يجوز إسنادها إلى المتصف بالاضطرار مثل الشمس والقمر والليل والنهار والدهر وغيرها بل يجب إسنادها إلى

1 - قوله «لا يجوز إسناد هذه الأفعال اه» تفسير الشارح خلاف ظاهر عبارة الحديث كما يشعر به كلامه أخيرا لأن الإمام (عليه السلام) في مقام إثبات الضرورة في الطبيعة وتوجه نظام العالم الجملي إلى شئ واحد لا يختلف حتى يثبت به وحدة المبدء نظير قطيع واحد من أغنام كثيرة تروح إلى جانب واحد أو جنود كثيرة متوجهين إلى جهة بنظام واحد يدل على وجود راع وقائد يسوقهم ولولا ذلك لذهب كل شاة إلى جانب وكل جندي إلى جهة بل يقوم بعضهم ويمشي بعضهم وينام بعضهم وبالجملة راد (عليه السلام) رد من يذهب إلى البخت والاتفاق وهم طائفة من الملاحدة ينكرون ثبوت غرض وغاية للطبيعة ولم يكن (عليه السلام) في مقام رد طائفة أخرى منهم يثبتون الضرورة للطبيعة ولا يعترفون بوجود إله قادر مختار كما فهمه الشارح (رحمه الله) وتكلف في تطبيق كلام الإمام (عليه السلام) فمقصوده (عليه السلام) إثبات الضرورة الطبيعية المسخرة بأمر الله تعالى لا إنكار الضرورة أصلا وفي توحيد المفضل بعد أن أنكر (عليه السلام) على الطائفة الثانية نفي الواجب تعالى اكتفاء بالطبيعة قال وقد كان من القدماء يعني من قدماء فلاسفة اليونان طائفة أنكروا العمد والتدبير في الأشياء وزعموا أن كونها بالعرض والاتفاق وكان مما احتجوا به هذه الآفات التي تلد غير مجرى العرف والعادة كالإنسان يولد ناقصا أو زائدا أصبعا ويكون المولود مشوها مبدل الخلق فجعلوا هذا دليلا على أن كون الأشياء ليس بعمد وتقدير بل بالعرض كيف ما اتفق أن يكون وقد كان أرسطاطاليس رد عليهم فقال: ان الذي يكون بالعرض والاتفاق إنما هو شئ يأتي بالفرط مرة مرة لأعراض تعرض للطبيعة فتزيلها عن سبيلها وليس بمنزلة الأمور الطبيعية الجارية على شكل واحد جريا دائما متتابعا انتهى. وأورد الشيخ أبو علي سينا في الفصل الرابع عشر من المقالة الأولى من الفن الأول من طبيعيات الشفا تفصيل هذا.
فانظر إلى شرف العقل والعلم كيف بلغ بهذا الرجل أرسطو مبلغا ذكره سليل النبوة واستشهد بكلامه وألهم إليه من عالم الملكوت قوله وحجته. (ش)
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»
الفهرست