أن يكون إشارة إلى تفاوت مراتب العقل والعلم في باب معرفة الصانع وازدياد كل واحد منها بسبب الآخر إذ للعقل في السير من العالم السفلي إلى العالم الذي هو عالم القدس وعالم التوحيد منازل غير محصورة وله في كل منزل نور معين وكمال معلوم وبصيرة مخصوصة يستعد بها لقبول علم فوق ما يكون له في هذا المنزل واستخراجه من القوة إلى الفعل (1) فإذا استخرجه فقد انتقل من هذا المنزل إلى منزل آخر فوقه، وهذا العلم يوجب زيادة نوره وكماله وبصيرته على ما كان له في هذا المنزل السابق فيستخرجه هذا العلم من النقص إلى الكمال وهكذا يتدرجان في الكمال ويتبدلان في السببية إلى ما شاء الله فقد تبين أن بكل واحد منهما يستخرج غور الآخر ونهاية كماله، ويمكن أن يكون إشارة إلى مراتب العقل والحكمة النظرية فإن العقل الهيولاني يستخرج العلوم الأولية باستعمال الالآت أعني الحواس الظاهرة والباطنة وبهذه العلوم يستخرج العقل من الهيولانية إلى الملكة وهكذا إلى العقل بالفعل الذي حصل له ملكة الاستحضار متى شاء من غير تجشم كسب جديد بل إلى ما فوق ذلك مما تعلق به المشية الإلهية، وبالجملة العقل بنور بصيرته يستخرج المعارف الالهية والحكمة الربانية وتلك الحكمة بعد حصولها توجب كمال العقل وزيادة بصيرته فكل منهما يوجب خروج الآخر من حد النقص إلى حد الكمال على وجه لا يكون دورا، وكما أن للعقل قوة نظرية بها يتأثر من المبدء الأعلى ويستفيض منه العلوم (2) وكمالها باكتساب تلك العلوم وقد أشار إليها بعبارة وجيزة فكذلك له قوة عملية بها يؤثر فيما تحته وكمالها باكتساب الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة وقد أشار إليها بقوله (وبحسن السياسة) في البدن والمنزل والمدينة (يكون الأدب الصالح) أي العمل المندرج تحت القواعد النبوية والخلق الموافق للقوانين
(٣٢٩)