شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٣٢٩
أن يكون إشارة إلى تفاوت مراتب العقل والعلم في باب معرفة الصانع وازدياد كل واحد منها بسبب الآخر إذ للعقل في السير من العالم السفلي إلى العالم الذي هو عالم القدس وعالم التوحيد منازل غير محصورة وله في كل منزل نور معين وكمال معلوم وبصيرة مخصوصة يستعد بها لقبول علم فوق ما يكون له في هذا المنزل واستخراجه من القوة إلى الفعل (1) فإذا استخرجه فقد انتقل من هذا المنزل إلى منزل آخر فوقه، وهذا العلم يوجب زيادة نوره وكماله وبصيرته على ما كان له في هذا المنزل السابق فيستخرجه هذا العلم من النقص إلى الكمال وهكذا يتدرجان في الكمال ويتبدلان في السببية إلى ما شاء الله فقد تبين أن بكل واحد منهما يستخرج غور الآخر ونهاية كماله، ويمكن أن يكون إشارة إلى مراتب العقل والحكمة النظرية فإن العقل الهيولاني يستخرج العلوم الأولية باستعمال الالآت أعني الحواس الظاهرة والباطنة وبهذه العلوم يستخرج العقل من الهيولانية إلى الملكة وهكذا إلى العقل بالفعل الذي حصل له ملكة الاستحضار متى شاء من غير تجشم كسب جديد بل إلى ما فوق ذلك مما تعلق به المشية الإلهية، وبالجملة العقل بنور بصيرته يستخرج المعارف الالهية والحكمة الربانية وتلك الحكمة بعد حصولها توجب كمال العقل وزيادة بصيرته فكل منهما يوجب خروج الآخر من حد النقص إلى حد الكمال على وجه لا يكون دورا، وكما أن للعقل قوة نظرية بها يتأثر من المبدء الأعلى ويستفيض منه العلوم (2) وكمالها باكتساب تلك العلوم وقد أشار إليها بعبارة وجيزة فكذلك له قوة عملية بها يؤثر فيما تحته وكمالها باكتساب الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة وقد أشار إليها بقوله (وبحسن السياسة) في البدن والمنزل والمدينة (يكون الأدب الصالح) أي العمل المندرج تحت القواعد النبوية والخلق الموافق للقوانين

1 - في عبارة الشارح نكات يجب التنبيه عليها حتى ينظر إليها بعناية خاصة ولا يمر عليها مرورا: الأول سير العقل من العالم الأدنى إلى العالم الاعلى يسمى في اصطلاح العرفاء بالسلوك والسائر فيه السالك وقد يقال له السفر وينقسم إلى أربعة أسفار من الخلق إلى الحق وفي الحق بالحق ومن الحق إلى الخلق وفي الخلق كل ذلك بالحق وعلى ذلك بنى صدر المتألهين (قدس سره) كتابه المعروف بالاسفار الأربعة. الثانية أن الترقي في كمال العقل متوقف على الاستعداد كانتقال المادة من صورة إلى صورة وفعلية السابقة معدة للاحقة. الثالثة أن الحكمة هي معرفة الله وما يتعلق بتلك المعرفة وهي تحصل للعقل باليسير والمجاهدة كما قال (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) فبتعلم الحكمة يترقى العقل وبترقي العقل يتعلم حكمة جديدة لم يكن مستعدة لها أولا، أو يقال المراد الحكمة العملية أي إطاعة الله في كل ما خلق الإنسان لأجله وليس المراد بالحكمة النظرية أو العملية تقليد جماعة معينة من الحكماء بل متابعة العقل والدليل، وقد ألف الأنصاري الهروي كتابا ممتعا في منازل السائرين. (ش) 2 - هذا مذهب الحكماء في كيفية إفادة المقدمات للنتائج ومذهب الأشاعرة في مطلق الأسباب أن عادة الله جرت بخلق المسبب عند وجود السبب وقالت المعتزلة بالتوليد من غير تأثير لله - تعالى الله عن ذلك ومذهب الحكماء في هذه الأسباب أنها معدات يستعد به العقل والهيولي للإفاضة من المبدء الاعلى. (ش)
(٣٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 334 ... » »»
الفهرست