شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٣٠٣
في سجون الأماني وشعب الرغبات. ثم إذا ساعده التوفيق وتنبه بأن وراء هذه النشأة نشأة أخرى علم ذاته وعرف نفسه واستكمل بالعلم والحال، وارتقى إلى معدنه الأصلي، وعاد من مقام التفرقة والكثرة إلى مقام الجمعية والوحدة، ولما ثبت وتقرر أن النفوس الإنسانية من زمن آدم (عليه السلام) الخاتم (صلى الله عليه وآله) كانت متدرجة في التلطف ومترقبة في الاستعداد، وكذلك كلما جاء رسول كانت معجزة المتأخر أقرب إلى المعقول من المحسوس من معجزة المتقدم ولأجل ذلك كانت معجزة نبينا (صلى الله عليه وآله) القرآن وهو أمر عقلي إنما يعرف كونه إعجازا أصحاب العقول الذكية ولو كان منزلا على الأمم السابقة لم يكن حجة عليهم لعدم استعدادهم لدركه ثم من بعثته (صلى الله عليه وآله) آخر الزمان كانت الاستعدادات في الترقى والنفوس في التلطف والتذكي ولهذا لا يحتاجون إلى رسول آخر (1) يكون حجة الله عليهم لأن الحجة عليهم هي العقل الذي هو الرسول الداخلي ففي آخر الزمان يترقى الاستعدادات من النفوس إلى حد لا يحتاجون إلى معلم من خارج على الرسم المعهود بين الناس لأنهم مكتفون بالالهام النفسي عن التأدب الوضعي وبالمدد الداخلي عن المؤدب الخارجي، وبالمكمل العقلي عن المعلم الحسي كما لساير الأولياء فيد الله وهو ملك روحاني يجمع عقولهم ويكمل أحلامهم (2) هذا كلامه وفيه نظر أما أولا فلأن ترقي العقول على الوجه المذكور غير مسلم ولو كان كذلك لكان الاختلاف بعد نبينا (صلى الله عليه وآله) أقل من الاختلاف في الأمم السالفة وقد دلت الأخبار المتكاثرة على عكس ذلك (3) وأما ثانيا فلان المقصود من هذا الحديث أن تكميل العقول في آخر الزمان بواسطة معلم حسي وهو الصاحب (عليه السلام) (4) وما ذكره يدل على أنهم لا يحتاجون إلى معلم حسي أصلا، وأما ثالثا فلأنه وإن أمكن حمل اليد هنا على الملك لكن لا حاجة لنا تدعو إليه لأن إعانة أي ملك وتسديده أقوى وأحسن من إعانة الصاحب وتسديده (عليه السلام) (5).

1 - غير رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأن العقل يدعوه إلى متابعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما يراه من الأدلة على صحة نبوته (ش).
2 - فيعرفون بالعقل المكمل صحة الدين وامامة القائم (عليه السلام) فيتبعونه ولم يكونوا كذلك في صدر الإسلام. (ش) 3 - كثرة الاختلاف لا يدل على ضعف العقول نعم لو كانت العقول في أعلى مدارج الكمال لم يختلفوا كما أن الأمم الذين في أدنى درجات التقليد قد لا يختلفون أيضا ولكن أهل التوسط يختلفون جدا والمسلمون في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكونوا في أعلى درجات الكمال حتى لا يختلفوا (ش).
4 - الحديث صريح في خلاف هذا الكلام لأن يد الله في الحديث غير الإمام قطعا وانما يجمع الله عقول الناس بتوفيقه وتسديده وإعانة الملك الذي عبر عنه باليد حتى يتبعوا صاحب الامر (عليه السلام) بعقولهم ولو أظهر في زماننا هذا أو قبله ولم يكمل عقول الناس بعد لنفروا وأعرضوا أو قتلوه. (ش) 5 - إعانة الملك ليس أقوى من إعانة الإمام (عليه السلام) لكن لابد من العقل الكامل في متابعة الناس أجميعن له (عليه السلام) كما كانوا محتاجين إليه على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبالجملة لا يريد القائل أن الناس في آخر الزمان لا يحتاجون إلى الحجة (عليه السلام) بل يريد أنهم بسبب كمال عقولهم يستعدون لظهوره وقبول قوله وحكمه ويبقون على الحق مستعدين قابلين إلى يوم القيامة وما كانوا كذلك في العصر الأول والأوسط (ش).
(٣٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 ... » »»
الفهرست