في سجون الأماني وشعب الرغبات. ثم إذا ساعده التوفيق وتنبه بأن وراء هذه النشأة نشأة أخرى علم ذاته وعرف نفسه واستكمل بالعلم والحال، وارتقى إلى معدنه الأصلي، وعاد من مقام التفرقة والكثرة إلى مقام الجمعية والوحدة، ولما ثبت وتقرر أن النفوس الإنسانية من زمن آدم (عليه السلام) الخاتم (صلى الله عليه وآله) كانت متدرجة في التلطف ومترقبة في الاستعداد، وكذلك كلما جاء رسول كانت معجزة المتأخر أقرب إلى المعقول من المحسوس من معجزة المتقدم ولأجل ذلك كانت معجزة نبينا (صلى الله عليه وآله) القرآن وهو أمر عقلي إنما يعرف كونه إعجازا أصحاب العقول الذكية ولو كان منزلا على الأمم السابقة لم يكن حجة عليهم لعدم استعدادهم لدركه ثم من بعثته (صلى الله عليه وآله) آخر الزمان كانت الاستعدادات في الترقى والنفوس في التلطف والتذكي ولهذا لا يحتاجون إلى رسول آخر (1) يكون حجة الله عليهم لأن الحجة عليهم هي العقل الذي هو الرسول الداخلي ففي آخر الزمان يترقى الاستعدادات من النفوس إلى حد لا يحتاجون إلى معلم من خارج على الرسم المعهود بين الناس لأنهم مكتفون بالالهام النفسي عن التأدب الوضعي وبالمدد الداخلي عن المؤدب الخارجي، وبالمكمل العقلي عن المعلم الحسي كما لساير الأولياء فيد الله وهو ملك روحاني يجمع عقولهم ويكمل أحلامهم (2) هذا كلامه وفيه نظر أما أولا فلأن ترقي العقول على الوجه المذكور غير مسلم ولو كان كذلك لكان الاختلاف بعد نبينا (صلى الله عليه وآله) أقل من الاختلاف في الأمم السالفة وقد دلت الأخبار المتكاثرة على عكس ذلك (3) وأما ثانيا فلان المقصود من هذا الحديث أن تكميل العقول في آخر الزمان بواسطة معلم حسي وهو الصاحب (عليه السلام) (4) وما ذكره يدل على أنهم لا يحتاجون إلى معلم حسي أصلا، وأما ثالثا فلأنه وإن أمكن حمل اليد هنا على الملك لكن لا حاجة لنا تدعو إليه لأن إعانة أي ملك وتسديده أقوى وأحسن من إعانة الصاحب وتسديده (عليه السلام) (5).
(٣٠٣)