شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٠٣
ذلك هلاكه وهلاك أمه، ولو لم يوافقه اللبن بعد الولادة لمات جوعا، ولو لم يطلع عليه الأسنان في وقتها لامتنع عليه مضغ الطعام وإساغته أو يقيم على الرضاع فلا يشتد بدنه ولا يصلح للعمل مع أن ذلك يمنع أمه عن تربية غيره من الأولاد بل عن امورها مطلقا، ولو لم يخرج الشعر من وجهه في وقته لبقي شبيها بالصبيان والنساء فلم يكن له جلالة ولا وقار، وكذا إذا اعتبر في وصول الغذاء إلى البدن وما فيه من التدبير، وفكر في أن الطعام يصير إلى المعدة فتطحنه وتبعث بصفوه إلى الكبد منه في عروق دقاق قد جعلت كالمصفاة للغذاء لكيلا يصل إلى الكبد منه شئ فينكأها (1) وذلك أن الكبد رقيقه لا يحتمل العنف ثم إن الكبد تقبله فيستحيل بلطف التدبير دما وينفذ إلى البدن كله في مجاري مهياة لذلك بمنزلة المجاري التي للماء حتى يطرد في الأرض كلها، وينفذ ما يخرج منه من الخبث والفضول إلى مفايض قد اعدت لذلك، فما كان منه من جنس المرة الصفراء جرى إلى المرارة، وما كان من جنس السوداء جرى الطحال، وما كان من البلة والرطوبة جرى إلى المثانة، وتأمل في حكمة التدبير في تركيب البدن، ووضع هذه الأعضاء منه في مواضعها، وإعداد هذه الأوعية فيه لتحمل الفضول لئلا تنتشر في البدن فتسقمه وتنهكه، وفكر في أعضاء البدن أجمع وتدبير كل منها للإرب والحاجة، فاليدان للعلاج، والرجلان للسعى، والعينان للاهتداء، والفم للاغتذاء، واللسان للتكلم.
والحنجرة لتقطيع الصوت وتحصيل الحروف، والمعدة للهضم، والكبد للتخليص والمنافذ لتنفيذ الفضول، والأوعية لحملها، والفرج لإقامة النسل، وفكر في سائر الأعضاء والقوى ومنافعها وأعمل فكره فيها ووجد كل شئ قد قدر لشئ على صواب وحكمة وتقدير وتدبير يعجز العقل عن معرفة تفاصيلها، علم أن له خالقا عالما قديرا عليما حكيما يوجد الأشياء بمجرد إرادته بلا كلام ولا حركة ولا آلة لأغراض ومصالح لا يعرف تفاصيلها إلا هو وهو اللطيف الخبير.
(وتصريف الرياح) الرياح جمع كثرة للريح وهي الهواء المتموج المتحرك بسبب مقدر من الله العزيز العليم، والعين فيهما واو قلبت ياء لكسرة ما قبلها وجمع القلة أرواح بالواو إذ لم يوجد فيه ما يوجب الإعلال، والمراد بتصريفها في مهابها صباء ودبورا وشمالا وجنوبا، أو في أحوالها حارة وباردة وعاصفة ولينة وعقما ولواقح، أو جعلها تارة للرحمة يرحم بها من أطاعه وتارة للعذاب يعذب بها من عصاه ولكل واحدة من الرياح الأربع المذكورة ملك يهيجها ويحركها بأمر الله سبحانه كما ورد في الرواية الصحيحة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) «إن الرياح الأربع الشمال والجنوب والصبا

١ - أي يقرحها ويثخنها.
٢ - رواه الكليني في الكافي ج ٨ (كتاب الروضة) رقم 63 في حديث بهذا الاسناد محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي ابن رئاب، عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام).
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»
الفهرست