شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٠١
الباقي، قال: لا يغرنك ملك قيمته شربة ماء.
الثالث: في دلالة إحياء الأرض بالمطر على وجود الصانع المدبر للعالم وذلك أن البرد في الشتاء يوجب كثافة الهواء والأرض والشجر ويبس ظاهرها فتعود القوى النباتية والحرارة الغريزية في الشجر والنبات، وتستقر في بطونها وأصولها وتهيء فيهما مواد الثمار وتولد الأمثال فإذا نزل الماء وقت الربيع الذي هو وقت بروز ما في البطون وظهور ما في الكمون انتفخت الأرض واهتزت وتحركت القوى والحرارة وتتولد المواد الكامنة في الشتاء فيطلع النبات ويتنور الأشجار والأزهار ويخرج أصناف مختلفة مونقة رايقة من الثمار التي يتمتع بها الإنسان وغيره من أنواع الحيوان، كما قال سبحانه: (وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج) وقال: (وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا) فالعاقل اللبيب إذا نظر هذه الحركات والانقلابات وفي صنوف مختلفة من النباتات والأشجار والأزهار والأثمار من حب وعنب وقضب وزيتون ونخل ورمان وفواكه كثيرة على اختلاف أنواعها وأصنافها مختلفة الأشكال والألوان والطعوم والروايح يفضل بعضها على بعض في الاكل والمنافع مع أن جميعها يخرج من أرض واحدة ويسقى من ماء واحد، وتفكر ما في النباتات من ضروب المنافع وصنوف المآرب فالثمار للغذاء والنبات للعلف والحطب للوقود والخشب لكل شئ من أنواع التجارة وغيرها واللحاء والورق والأصول والعروق والصموغ وغيرها لضروب المنافع فبعضها يقوي وبعضها يغذي، وبعضها يقتل وبعضها يحيى، وبعضها يسخن وبعضها يبرد، وبعضها يدفع السوداء وبعضها يسهل للصفراء، وبعضها يقمع البلغم إلى غير ذلك من الفوائد الغير المحصورة، ورأى ما في الأوراق من شبه العروق مبثوثة في جرمها أجمع فمنها غلاظ ممتدة في طولها وعرضها لامساكها وحفظها عن التمزق والاضطرب ولإيصال الماء إلى أطرافها بمنزلة الجداول ومنها دقاق تتخلل تلك الغلاظ لإيصال الماء والغذاء إلى كل جزء من أجزائها بمنزلة العروق المبثوثة في البدن. علم أن جميع ذلك من فاعل قادر مختار عليم حكيم يوجد الأشياء بمجرد إرادته لمصالح أو منافع غير محصورة (وبث) عطف على أنزل فهو صلة على حدة لموصول مقدرة بحكم العطف ويجوز عطفه على «أحياء» لأن الحيوان أيضا ينمو بالماء ويعيش بالخصب والحب (فيها من كل دابة) مختلفة في الطبايع والأخلاق والأشكال والادراك والحواس والحركات والمنافع والاهتداء إلى طرق المعاش. فمنها ما يمشي على بطنه كالحيات، ومنها ما يمشي على رجلين كالإنسان، ومنها ما يمشي على أربع كالفرس، ومنها ما يمشي على أكثر كبعض الحشرات، ومنها ما يمشي تارة ويطير أخرى كالطيور، ومنها ما يدخر قوته بحيلة وتدبير كالذرة والعنكبوت، ومنها ما يطلب قوته عند الحاجة
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»
الفهرست