وهذا يقتضي أن يوزع توزيعا يكفل لكل فرد كفايته من الغذاء، والكساء، والمسكن، وسائر الحاجات الأصلية، التي لاغنى عنها، حتى لا يبقى فرد مضيع، لأقوام له.
وأمثل وسيلة، وأفضلها لتوزيع المال، وللحصول على الكفاية، وسيلة الزكاة، فهي في الوقت الذي لا يضيق بها الغني، ترفع مستوى الفقير إلى حد الكفاية، وتجنبه شظف العيش، وألم الحرمان.
والزكاة ليست منة يهبها الغني للفقير، وإنما هي حق استودعه الله يد الغني، ليؤديه لأهله، وليوزعه على مستحقيه ومن ثم تتقرر هذه الحقيقة الكبرى وهي: أن المال ليس وقفا على الأغنياء دون غيرهم، وإنما المال للجميع: أي للأغنياء، والفقراء، على السواء يوضح هذا قول الله تعالى - في حكمه تقسيم الفئ (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) أي هذا التقسيم، لئلا يكون المال متداولا بين الأغنياء، بل يجب توزيعه على الأغنياء والفقراء.
والزكاة، هي الحق الواجب في المال، متى قامت بحاجة الفقراء وسدت خلة المعوزين، وكفت البائسين، وأطعمتهم من جوع وأمنتهم من خوف.
فإذا لم تكف الزكاة، ولم تف بحاجة المحتاجين، وجب في المال حق آخر سوى الزكاة وهذا الحق لا يتقيد ولا يتحدد إلا بالكفاية، فيؤخذ من مال الأغنياء القدر الذي يقوم بكفاية الفقراء.
قال القرطبي: قوله تعالى: " وآتى المال على حبه " استدل به من قال:
إن في المال حقا، سوى الزكاة، وبها كمال البر، وقيل: المراد الزكاة المفروضة، والأول أصح.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن في المال حقا سوى الزكاة " تم تلا هذه الآية " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " إلى آخرها.
وأخرجه ابن ماجة، في سننه، والترمذي في جامعه، وقال: هذا حديث