ولا بامتلاك نصاب محدود، ولا يكون المبذول مقدارا معينا بالنسبة إلى ما يملك، ككونه عشرا، أو ربع عشر، أو عشر العشر مثلا، وإنما هو أمر مطلق بالاحسان موكول إلى أريحية المعطي وحالة المعطى.
ووقاية الانسان المحترم من الهلاك، والتلف، واجبة على من قدر عليها، وما زاد على ذلك، فلا تقدير له.
وقد أغفل الناس أكثر هذه الحقوق العامة، التي حث عليها الكتاب العزيز لما فيها من الحياة الاشتراكية المعتدلة الشريفة فلا يكادون يبذلون شيئا لهؤلاء المحتاجين إلا القليل النادر لبعض السائلين، وهم في هذا الزمان أقل الناس استحقاقا، لأنهم اتخذوا السؤال حرفة، وأكثرهم واجدون. انتهى.
وقال ابن حزم: وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد، أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك، إن لم تقم الزكوات بهم، ولا في سائر أموال المسلمين بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لابد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف، والشمس، وعيون المارة.
برهان ذلك: قول الله تعالى: " وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل " وقال تعالى: " وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب (1)، والصاحب بالجنب (2)، وابن السبيل، وما ملكت أيمانكم ".
فأوجب تعالى حق المسكين، وابن السبيل، وما ملكت اليمين من حق ذي القربى، وافترض الاحسان إلى الأبوين، وذي القربى والمساكين، والجار وما ملكت اليمين، والاحسان يقتضي كل ما ذكرنا، ومنعه إساءة بلا شك.
وقال تعالى: (ما سلككم في سقر؟ قالوا: لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين).
فقرن الله تعالى إطعام المسكين بوجوب الصلاة.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم - من طرق كثيرة، في غاية الصحة أنه قال: " من لا يرحم الناس لا يرحمه الله ".