المقصود بالخيار وفيه وجه آخر أن تصرف المشتري لا يبطل خياره ولا يبطل الا بالتصريح كما لو ركب الدابة ليختبرها، والأول أصح لأن هذا يتضمن إجازة البيع ويدل على الرضى به فيبطل به الخيار كصريح القول، ولان صريح القول إنما يبطل به الخيار لدلالته على الرضى فما دل على الرضى بالمبيع يقوم مقام القول ككنايات الطلاق، وان عرضه على البيع أو باعه بيعا فاسدا، أو عرضه على الرهن، أو وهبه فلم يقبل الموهوب له بطل خياره على الوجه الأول لأن ذلك يدل على الرضى به، قال احمد إذا شرط الخيار فباعه قبل ذلك يربح فالربح للمبتاع لأنه وجب عليه حين عرضه (فصل) وإن استخدم المشتري المبيع ففيه روايتان (إحداهما) لا يبطل خياره، قال أبو الصقر قلت لأحمد رجل اشترى جارية وله الخيار فيها يومين فانطلق بها فغسلت رأسه أو غمزت رجله أو طبخت له أو خبزت هل يستوجبها بذلك؟ قال لا حتى يبلغ منها مالا يحل لغيره قلت فإن مشطها أو خضبها أو حفها هل استوجبها بذلك؟ قال قد بطل خياره لأنه وضع يده عليها. وذلك لأن الاستخدام لا يختص الملك ويراد به تجربة المبيع فأشبه ركوب الدابة ليعلم سيرها. ونقل حرب عن أحمد أنه يبطل خياره لأنه انتفاع بالمبيع أشبه لمسها بشهوة. ويمكن أن يقال ما قصد به من الاستخدام تجربة المبيع لا يبطل الخيار كركوب الدابة ليعلم سيرها وما لا يقصد به ذلك يبطل الخيار كركوب الدابة لحاجته، وإن قبلت الجارية المشتري لم يبطل خياره وهذا مذهب الشافعي، ويحتمل أن يبطل ذكره أبو الخطاب إذا لم يمنعها لأن اقراره لها على ذلك يجري مجرى استمتاعه بها، وقال أبو حنيفة إن قبلته بشهوة بطل خياره لأنه استمتاع يختص الملك فأبطل خياره كما لو قبلها ولنا انها قبلة لاحد المتعاقدين فلم يبطل خياره كما لو قبلت البائع ولان الخيار له لا لها فلو ألزمناه بفعلها لألزمناه بغير رضاه ولا دلالة عليه بخلاف ما إذا قبلها فإنه يدل على الرضى بها، ومتى بطل خيار المشتري بتصرفه فخيار البائع باق بحاله لأن خياره لا يبطل برضى غيره الا أن يكون تصرف باذن البائع وقد ذكرناه {مسألة} (وان أعتقه المشتري نفذ عتقه وبطل خيارهما، وكذلك إن تلف المبيع، وعنه لا يبطل خيار البائع وله الفسخ والرجوع بالقيمة) إذا تصرف أحد المتعاقدين بعتق المبيع في مدة الخيار نفذ عتق من حكمنا بالملك له، وظاهر المذهب أن الملك للمشتري فنفذ عتقه سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما لأنه عتق من مالك جائز التصرف فنفذ كما بعد المدة وقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا عتق فيما لا يملك ابن آدم " يدل بمفهومه على أنه ينفذ في الملك وملك البائع الفسخ لا يمنع نفوذ العتق من المشتري كما لو باع عبدا بجارية معيبة فإن عتق المشتري ينفذ مع أن للبائع الفسخ. ولو وهب رجل ابنه عبدا فاعتقه نفذ عتقه مع ملك الأب استرجاعه ولا ينفذ عتق البائع في ظاهر المذهب، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي ينفذ عتقه لأنه ملكه، وإن كان الملك انتقل فإنه يسترجعه بالعتق، ولنا أنه اعتاق من غير مالك فلم ينفذ كعتق الأب عبد ابنه
(٧٤)