مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٧ - الصفحة ٤٣
إن (الابتهاج) في فلسفة ابن سينا فائق على اللذة المنعشة التي هي ذات صلة محصورة بطبيعتنا السيكولوجية والعقلية والروحانية، لأنه لا يعزو اللذة والتمتع إلى الله تعالى.
وعلى رأي العقلاء والفلاسفة والعرفاء وكذلك الأديان الإلهية فإن هذا العزو غير ممكن، وعدم الإمكان هنا قد يؤكد بمفهوم الخير أيضا.
ابن سينا يعزو الابتهاج إلى الله تعالى بقوله: (أجل مبتهج بشئ هو الأول بذاته لأنه أشد الأشياء إدراكا لأشد الأشياء كمالا الذي هو برئ عن طبيعة الإمكان والعدم وهما منبعا الشر) (9)، (10).
إننا نتفهم من هذه الكلمة أن قصد ابن سينا بالابتهاج هو واقع فوق اللذة، وهو يعزو الابتهاج في مقام ثان إلى العارفين المتنزهين، فقال: (ويتلوه المبتهجون به - أي بالله - وبذواتهم من حيث هم مبتهجون به، وهم الجواهر العقلية القدسية فليس ينسب إلى الأول الحق، ولا إلى التالين من خلص أوليائه القدسيين شوق) (11).
نعلم أن من يميل إلى شئ يجد فيه لذة، ويميل بها متحمسا حتى يصل إليها، بناءا على ذلك فمقام الربوبية يكون منزها عن الميل، وعندما ندرس واقع الابتهاج دقيقا كأننا نتفهمه في إدراكاتنا العقلية ووعينا (الشئ السيكولوجي)، لا نقدر أن نتفق مع ابن سينا في عزوه إلى الله، لأن معنى الابتهاج يشمل مفهوما يشبه الفرح والهناءة التي تنشأ من تنجز شئ مطلوب من المبتهج نفسه.
مضافا إلى ذلك فإن ابن سينا ينكر أي سنخ من أشراف اللذات على نفسه

(9) الإشارات، ج 2، ص 98.
(10) لأن العقل يحكم بالضرورة أن الله تعالى هو كمال مطلق، ولهذا ليس بالإمكان أن يجد خيرا أو كمالا، يعزو هو في ذاته، فإذا يجد اللذة فيهما.
ومن العجيب أن ابن سينا يعترف بأن الابتهاج - أو إدراك الكمال المطلق - يشمل كذلك نوعا من اللذة، فقال: (المستحل توسيط اللحق مرحوم من وجه فإنه لم يطعم لذة البهجة فيستعظمها، إنما مفارقته مع اللذات المخدجة، فهو حنون إليها، غافل عما وراءها) - الإشارات، ج 2، ص 110 -، بناءا على ذلك فإن مسألة (كيف يعزو ابن سينا الابتهاج إلى الله تعالى) تظل في فلسفته بلا جواب، غير أنه يقول: إن ابتهاج الله هو فوق اللذة.
(11) الإشارات، ج 2، ص 99.
(٤٣)
مفاتيح البحث: الطعام (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»
الفهرست