مشارق أنوار اليقين - الحافظ رجب البرسي - الصفحة ٢٠٤
فصل (معنى الإمامة وجنسها) وبيان المدعى أنا نقول في تعريف الإمامة وبيان جنسها وفصولها: الإمامة رئاسة عامة. هذا جنس يقتضي فصولا أربعة: التقدم، والعلم، والقدرة، والحكم، وإذا انتقصت هذه الفصول انتقص الجنس، فلا تعريف، إذا فلا معرفة، فلا رياسة عامة فلا إمامة، وهي رياسة عامة، فالولي هو المتقدم العام الحاكم المتصرف على الإطلاق بالنسبة إلى الخلق.
أما تقدمه فلأن الولاية هي العلة الغائية في كمال الأصول والفروع، والمعقول والمشروع، فلها التقدم بالفرض والتأخر بالحكم، لأن الولي المطلق هنا هو الإنسان الذي يلبسه الله خلعة الجمال والكمال، ويجعل قلبه مكان مشيئته وعلمه، ويلبسه قباء التصرف والحكم، فهو الأمر الإلهي في العالم البشري، فهو كالشمس المنيرة التي جعل الله فيها قوة النور والحياة، والإشراق والإحراق، فهي الضوء لأهل الدقور، وإليه الإشارة بقولهم:
(الحق مقاماتك وآياتك وعلاماتك، لا فرق بينها وبينك) (1).
التأنيث في الضمير راجع إلى ذواتهم التي هي صفات الحق والجمال المطلق، وقوله: (إلا أنهم عبادك) (2)، الضمير هنا عائد إلى أجسادهم المقدسة، وهياكلهم المعصومة المطهرة التي هي وعاء الأمر الإلهي، وجمال النور القدسي.
وسبب الفرق والنفي موجب لثبات خواص الربوبية لهم، لأن الرب القديم جل جلاله حكم عدل نافذ الحكم، غني عن الظلم، لا يتوهم ولا يتهم، والولي المطلق كذلك.
وهذه الصفات كلية، والكلي لا يمنع من وقوع الشركة، لأنه مقول على كثيرين مختلفين بالحقائق، فالله سبحانه حكمه في العدل وعدله وغناه عن الظلم لذاته من غير استفادة، والولي عدله وحكمته وعصمته خص من الله وتأييد له بتلك القوى الإلهية والصفات الربانية، وإليه الإشارة بقولهم: (إلا أنهم عبادك وخلقك) (2)، لأن هذا الاستثناء فارق بين الرب والعبد، لأن الرب المعبود سبحانه علمه وقدرته، وقدمه وغناه عن خلقه، غير مستفاد من إله آخر بل هي صفات ذاته، لأن واجب الوجود وجوب

(١) البحار: ٩٥ / ٣٩٣، والإنسان الكامل: ١٢٨.
(٢) إقبال الأعمال: ٣ / 214.
والبحار 95 / 393
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 198 199 200 201 203 204 205 206 208 209 211 ... » »»