مشارق أنوار اليقين - الحافظ رجب البرسي - الصفحة ٢١٧
فصل (الإمام مع الخلق لا يغيب عنهم) إذا كانوا عالمين بأوليائهم فهم عالمون بأعدائهم من غير شك، لدلالة الأعلى على الأدنى، لأن الولي على الكل يجب أن يكون عالما بالكل، وإلا لكان رقيبا على البعض دون البعض، والغرض عموم رياسته، فالواجب عموم علمه وإحاطته، وإلا لم يكن رئيسا مطلقا، وهو رئيس مطلق، هذا خلف.
وقد ورد عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إن لله اثني عشر ألف عالم، كل عالم أكبر من السماوات والأرض، وأنا الحجة عليهم (1).
ولا يكون الحجة حجة على قوم إلا من يعلمهم ويشهدهم، وإلا لم يكن حجة، وهو حجة، فهو عالم برعيته، لأنه عين الله الناظرة في عباده، وعين الله مطلعة على سائر العباد، فهو في العالم كالشمس لأنه نور الحق في الخلق، وشعاعه مطل على سائر العالم، وهو حجاب الله في عالم الصور، وإليه الإشارة، يقول الرسول صلى الله عليه وآله: (علي لا يحجبه عن الله حجاب) (2) وهو السر والحجاب، فالإمام نور إلهي وسر رباني، وتعلقه بهذا الجسد عارضي، دليله قوله سبحانه: وأشرقت الأرض بنور ربها (3)، ونور الرب هو الإمام الذي بنوره تشرق الظلم، ويستضئ سائر العالم.
يعضد هذا التفسير ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (إن للشمس وجهين، وجه يلي أهل السماء، ووجه يلي أهل الأرض) (4)، فالإمام مع الخلق كلهم لا يغيب عنهم، ولا يحجبون عنه، بل هم محجوبون عنه، وليس هو بمحجوب، لأن الدنيا عند الإمام كالدرهم في يد الإنسان يقلبه كيف شاء.
وعنهم عليهم السلام: إن الله يعطي وليه عمودا من نور بينه وبينه يرى فيه سائر أعمال العباد (5)

(١) تقدم الحديث.
(٢) بحار الأنوار: ٤٠ / ٩٦ ح ١١٦.
(٣) الكهف: ٤٥.
(٤) بحار الأنوار: ٢٧ / ٩ ح ٢١ وفيه يضئ لأهل السماء - الأرض.
(٥) الهداية الكبرى: ٢٤٠ باب ٧، وبصائر الدرجات: ٤٣٥ ح 3 باب أنه يرى ما بين المشرق والمغرب.
(٢١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 ... » »»