مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ١ق٢ - الصفحة ٤٠٥
لما أهبطه الله تعالى من جنته إلى الأرض استوحش فسئل الله تعالى ان يؤنسه بشئ من أشجار الجنة فانزل الله إليه النخلة وكان يأنس بها في حياته فلما حضرته الوفاة قال لولده انى كنت انس بها في حياتي وأرجو الانس بها بعد وفاتي فإذا مت فخذوا منها جريدا وشقوه بنصفين وضعوهما معي في أكفاني ففعل ولده ذلك وفعلته الأنبياء بعده ثم اندرس ذلك في الجاهلية فأحياه النبي صلى الله عليه وآله وفعله وصارت سنة متبعة وعن المفيد في المقنعة مرسلا مثله قال وروى عن الصادق (ع) ان الجريدة تنفع المحسن والمسئ وفى رواية حسن بن زياد انه سئل أبا عبد الله (ع) عن الجريدة التي تكون مع الميت فقال تنفع المؤمن والكافر ونفعها على ما يظهر من جملة من الاخبار دفع العذاب عن الميت ما دامت رطبة ففي صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) أرأيت الميت إذا مات لم تجعل معه الجريدة فقال يتجافى عنه العذاب والحساب ما دام العود رطبا انما العذاب والحساب كله في يوم واحد في ساعة واحدة قدر ما يدخل القبر ويرجع القوم وانما جعلت السعفتان ولذلك فلا يصيبه عذاب ولا حساب بعد جفوفهما أنشأ الله تعالى وعن عبد الله بن المغيرة عن حريز وفضيل و عبد الرحمن بن أبي عبد الله كلهم قال قيل لأبي عبد الله (ع) لأي شئ توضع مع الميت الجريدة فقال إنه يتجافى عنه العذاب ما دامت رطبة ثم إن ظاهر الفتاوى وأغلب النصوص اعتبار تثنية الجريدة بان تكون جريدتين ولا يبعد الاجتزاء بواحدة لدى الضرورة لقاعدة الميسور وغيرها بل ربما يستشعر بل يستظهر ذلك أي جواز الاجتزاء بواحدة مطلقا ولو لدى الاختيار من غير واحد من الاخبار ففي خبر يحيى بن عبادة المكي أنه قال سمعت سفيان الثوري يسئل أبا جعفر (ع) عن التخضير فقال إن رجلا من الأنصار هلك فاودن رسول الله صلى الله عليه وآله بموته فقال لمن يليه من قرابته خضروا صاحبكم فما أقل المخضرين يوم القيمة قال وما التخضير قال جريدة توضع من أصل اليدين إلى أصل الترقوة وفى معاني الأخبار للصدوق بسنده عن يحيى بن عبادة عن أبي عبد الله عليه السلام انه سمعه يقول إن رجلا مات من الأنصار فشهده رسول الله صلى الله عليه وآله فقال خضروه فما أقل المخضرين يوم القيمة فقلت لأبي عبد الله (ع) واي شئ التخضير قال تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع وأشار بيده من عند ترقوته إلى يده تلف مع ثيابه قال الصدوق جاء هذا الخبر هكذا والذي يجب استعماله ان يوضع للميت جريدتان من النخل خضراوان قال في الوسائل بعد نقل ما سمعته من الصدوق هذا محمول على جواز الاقتصار على واحدة ويأتي مثله كثيرا انتهى أقول وهذا هو الأوفق بالقواعد في السنن لكن الأولى عدم العمل بهذه الروايات بل الاخذ بما عداها مما ستسمعه من الاخبار الآتية المعمول بها لدى الأصحاب واما انكار ظهورها في إرادة الواحدة فلا يخلو عن مجازفة وارتكاب التأويل فيها بحملها على مالا ينافي غيرها ليس بأولى من رد علمها إلى أهله في مثل المقام الذي لم يتعين علينا العمل به بل كنا من امره في سعة والله العالم وكيف كان فلا خلاف نصا وفتوى على الظاهر في استحباب كون الجريدتين من سعف النخل بل تعينه مع الامكان نعم حكى عن خلاف الشيخ ما يظهر منه التخيير فبينه وبين غيره وعبارته المحكية قابلة للتأويل وعلى تقدير إرادة ظاهرها فضعفه ظاهر كما يدل عليه جملة من الاخبار التي تقدم بعضها وسيأتي بعض انشاء الله وان لم يوجد النخل فعن المشهور انه يجعل بدله من السدر فإن لم يوجد السدر فمن الخلاف والا فمن شجر رطب مطلقا ويدل على الأولين ما رواه سهل بن زياد عن غير واحد من أصحابنا قالوا قلنا له جعلنا الله فداك ان لم نقدر على الجريدة فقال عود السدر قلت فإن لم نقدر على السدر فقال عود الخلاف وعن المقنعة والجامع والمراسم عكس هذا الترتيب ولم يعلم مستندهم واما الاجتزاء بشجر رطب أي شجر يكون عند فقدهما لما رواه علي بن بلال انه كتب إلى أبى الحسن (ع) الثالث الرجل يموت في بلاد ليس فيها نخل فهل يجوز مكان الجريدة شئ من الشجر غير النخل فإنه روى عن ابائك عليهم السلام انه يتجافى عنه العذاب ما دامت الجريدتان رطبتين وانها تنفع المؤمن والكافر فأجاب يجوز من شجر اخر رطب وفى رواية الكليني عنه أيضا انه كتب إليه يسئله عن الجريدة إذا لم يجد يجعل بدلها غيرها في موضع لا يمكن النخل فكتب يجوز إذا اعوزت الجريدة والجريدة أفضل وبه جاءت الرواية وقضية اطلاقها التخيير بين ما عدا النخل مطلقا كما حكى القول به عن غير واحد لكن قد يقال بان مقتضى الجمع بينها وبين المرسلة المتقدمة تقييد اطلاقها بما في تلك المرسلة لكن الأوفق بالقواعد في مثل المقام عدم ارتكاب التقييد بل حمل المقيد الأفضل وعن الشهيد في الدروس والبيان وتبعه جماعة ممن تأخر عنه القول بتقديم عود الرمان على غيره مؤخرا عن السدر والخلاف ومستندهم على الظاهر وما رواه في الكافي بعد الرواية المتقدمة عن علي بن إبراهيم في رواية أخرى قال يجعل بدلها عود الرمان لكنه بظاهره ينافي المرسلة المتقدمة وتقييد اطلاقه بتلك المرسلة حتى يثبت به مدعاهم ليس بأولى من عكسه اللهم الا ان يقال بعدم صلاحية هذه الرواية قرنية لصرف المرسلة المعمول بها عند الأصحاب عن ظاهرها فضلا عن صلاحيتها للمعارضة لقصورها عن مرتبة الحجية وانما صير إلى القول بتقديم عود الرمان على غيره في غير مورد المزاحمة من باب الاحتياط والمسامحة في أدلة السنن وكيف كان فلا ريب في أولوية مراعاة هذا الترتيب وان لم نقل بلزومه ثم إن ظاهر أغلب الروايات بل صريحها اشتراط كون الجريدتين رطبتين أي خضراوين فلا تجزى اليابستين ويدل عليه مضافا إلى ذلك خبر محمد بن علي بن عيسى قال سئلت أبا الحسن (ع) عن السعفة اليابسة إذا قطعها بيده هل يجوز للميت توضع معه في حضرته فقال لا يجوز اليابس والظاهر عموم استحباب الجريدتين للكبير والصغير ولا ينافيه التعليل بطرد العذاب في الروايات التي سمعتها فان هذا النحو من
(٤٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 400 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 ... » »»