فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٢١
الذين بين موسى وعيسى ومن ثم شبه النبي صلى الله عليه وسلم علماء أمته بهم. قال: فإن قيل كيف يصح هذا وقد قال تعالى * (ولقد أتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل) * وقد بين ذلك في الكشاف بالأنبياء بين موسى وعيسى. قلت: لعل المراد بالرسل في الآية المعنى اللغوي. وقال ابن عطاء الله من الناس من ظن أن النبي الذي هو نبي في نفسه والرسول هو الذي أرسل لغيره وليس كما ظن ولو كان كذلك فلماذا خص الأنبياء بالذكر دون الرسل في قوله " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " ومما يدل على بطلان هذا المذهب قوله تعالى * (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي) * (الحج: 52) الآية فدل على أن حكم الإرسال يعمهما وإنما الفرق أن النبي لا يأتي بشريعة جديدة وإنما يجئ مقررا لشرع من قبله ولهذا قال المصطفى " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " (الحديث متكلم فيه والصحيح من قول النبي صلى الله عليه وسلم " العلماء أمناء الرسل " الحديث " والعلماء أمناء الله على خلقه ") أي يأتون مقررين ومؤكدين وآمرين بما جئت به لا بشرع جديد. وقال الصفوي: اختار بعض المحققين أن الرسول نبي أتاه الملك - وقيل جبريل - بوحي لا نوم ولا إلهام والنبي أعم واعترض بعدم شموله لما لم يكن بواسطة كما هو ظاهر المنقول في موسى قبل نزول الملك عليه ورفعه بأنه يصدق عليه أنه أتاه في وقت لا ينجع إذ يلزم أن يكون النبي قبل البعثة رسولا حقيقة ولا قائل به. وقد أفاد ما قرره المحققان التفتازاني والجرجاني أن مجرد الإيحاء لا يقتضي نبوة إنما المقتضي لها إيحاء بشرع وتكليف خاص فخرج من بعث لتكميل نفسه كزيد بن نفيل ومن ثم قيل ونعم ما قيل يعتقد كثير أن النبوة مجرد الوحي وهو باطل وإلا لزم نبوة نحو مريم وآسية والتزامه شاذ. وما أورد على التفتازاني من أن قوله: النبي من بعث لتبليغ ما أوحي إليه أنه لا يشمل المبعوث إليه لتبليغ ما أوحي لغيره كما في بني إسرائيل أجيب بأنه مأمور بتبلغ ذلك وهو ما أوحي إليه أو أن شرع غيره المشير إليه فيما أوحي إليه في الجملة. ومن هذه النقول اللامعة والمباحث الجامعة عرف صحة عزو العلامة ابن الهمام القول بالترادف إلى المحققين وأن الإمام الشهاب ابن حجر قد انحرف هنا عن صوب الصواب حيث حكم على من زعم الاتحاد بالغلط. ونسب الكمال ابن الهمام إلى الاسترواح في نقله والسقط ثم قال: إن الذي في كلام أئمة الأصوليين خلاف الاتحاد قال رأي المحققين خلاف هؤلاء فإن أراد أن محققي أئمة الأصوليين خلاف العضد والتفتازاني والجرجاني وأن هؤلاء ليسوا بمحققين فهذا شئ لا يقوله محصل وإن أرادهم فهذه نصوصهم قد تليت عليك ولسنا ننازعه في أن المشهور بين الفقهاء ما ذكره الحليمي من التغاير وأن الفارق الأمر بالتبليغ إنما الملام في إقدامه على تغليط ذلك المحقق ونسبته ' لي الغفول عن كلام المحققين من رأس القلم (تتمة) قال بعض الأكابر لم يشتغل الأكثر بتعريف النبوة والرسالة بل بالنبي والرسول وقد عرفهما الأسد بن الأسد إمام الحرمين في قوله النبوة لا تكون عن قوة في النفس كما قاله الحكماء ولا عن رياضة يحصل بها الصفاء فيحصل التجلي في النفس كما قاله بعض الصوفية ولا عن قربان الهياكل السبعة كما قاله المنجمون ولا هي بالإرث كما قاله بعض أهل البيت ولا هي علم المرء بربه لأنه عام ولا علم النبي
(٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة