قال في البحر: ولا مخالفة بين ما في الهداية ومما صححه في المنية، لان الأول فيما إذا قدر الوكيل الثمن لوكيله، والثاني فيما إذا قدر الموكل الأول لوكيله كما لا يخفى. ا ه.
قال الرملي: هذا غير صحيح بل بينهما مخالفة: إذ في المسألة اختلاف الرواية. قال في الكفاية عند قول صاحب الهداية: ولو قدر الأول الثمن للثاني فعقد بغيبته يجوز، أطلق الجواز وهو رواية كتاب الرهن، وقد اختارها لان الرأي يحتاج فيه لتقدير الثمن ظاهرا وقد حصل. وفي كتاب الوكالة:
لا يجوز لان تقدير الثمن لمنع النقصان لا لمنع الزيادة، وربما يزيد الأول على هذا الثمن لو كان هو المباشر للعقد ا ه. وفي التتارخانية نقلا عن الخانية: وإن كان بغير محضر من العدل وبين الثمن للوكيل بالبيع فوكل الوكيل غيره فباعه الثاني بذلك الثمن: ذكر في رواية أنه يجوز كما ذكر في كتاب الرهن، وفي عامة الروايات لا يجوز وإن بين الثمن ما لم يجز المالك أو الوكيل الأول ا ه. فكيف مع هذا يحمل على اختلاف الموضوع وقد ظهر بقول صاحب المنية. وفي الأصح لا إلا بحضرة الأول، وبقول الخانية وفي عامة الروايات لا يجوز ضعف ما في الهداية، ووجهه ظاهر، لان التقدير يمنع النقصان لا الزيادة واختيار المشتري خصوصا إذا كان الثمن مؤجلا لتفاوته في الذمم والاحتياج إلى الرأي في ذلك كما هو واضح، فتأمل.
وفي الخانية: أيضا رجل وكل رجلا أن يبيع له هذا الثوب بعشرة دراهم فوكل الوكيل بذلك غيره فباعه الثاني بحضرة الأول: روى عن أبي يوسف أنه يجوز هذا البيع كان الوكيل الأول حاضرا أو غائبا، ولا يتوقف على الإجازة. وقال أبو حنيفة ومحمد: لا يجوز كان الوكيل الأول حاضرا أو غائبا.
وقال ابن أبي ليلى: يجوز كان الوكيل الأول حاضرا أو غائبا، لان الموكل رضي بزوال ملكه بالثمن المقدر ا ه. فهو مؤيد لما قلناه فتدبر. ا ه كلام الرملي.
قلت: وفيه نظر إذ لا شك فيما قاله المؤلف من أن ما في الهداية تقدير الثمن من جهة الوكيل، وما في المنية من جهة موكله. وغاية ما نقله المحشي وجود خلاف في الأولى، ولا يلزم منه وجوده في الثانية إلا بنقل صريح. نعم على تقدير عدمه يحتاج إلى الفرق بين المسألتين، وهو ظاهر من كلام الهداية كما قدمناه قريبا، وذلك أن عند تقدير الثمن من الموكل لوكيله يظهر أن غرضه حصول رأيه في الزيادة الخ. قوله: (والتفويض) في البحر عن البزازية: قيل للوكيل اصنع ما شئت له التوكيل، ولو قال الوكيل ذلك لوكيله لا يملكه الثاني توكيل ثالث، ولو قال السلطان استخلف من شئت له الاستخلاف أيضا ثمة وثمة. قوله: (إلا في طلاق وعتاق) إلى آخر المعاطيف هذا بالنظر إلى التفويض.
وأما إذا أذن له صريحا في التوكيل بها فلا شبهة في الصحة. قوله: (لأنهما مما يحلف به) فيصح تعليقه بالشرط فكان التوكيل به تعليقا بإيقاعه، فلا يقع بإيقاع غيره لا فرق أن يكون ذلك بحضرته أو غيبته أجازه أو لا، لأنه لم يعلقه بإجازته بل بإيقاعه، هذا بالنظر إلى التفويض. وأما إذا أذن له صريحا في التوكيل بها لا شبهة في الصحة. قال في منية المفتي: التوكيل باليمين وبالطلاق جائز. ا ه. قوله:
(قنية) محصل ما فيها أن الاذن في التوكيل بقوله اصنع ما شئت يختص بما يصح التوكيل به كالبيع والشراء دون ما لا يصح التوكيل فيه كالطلاق فإنه مما يحلف به: أي فيصح تعليقه بالشرط فلا يقوم