وقال في الأشباه والنظائر في أحكام النقود وفي وكالة البناية: اعلم أن عدم تعيين الدراهم والدنانير في حق الاستحقاق لا غير، فإنهما يتعينان جنسا وقدرا ووصفا بالاتفاق، وبه صرح الامام العتابي في شرح الجامع الصغير ا ه. قال الحموي يعني أن من حكم النقود أنها لا تتعين، ولو عينت في عقود المعاوضات وفسوخها في حق الاستحقاق فلا يستحق عينها فللمشتري إمساكها ودفع مثلها جنسا وقدرا ووصفا هذا هو المراد ا ه. وقدم في الاستدلال للامام وصاحبيه أن الدراهم والدنانير لا يتعينان في المعاوضات عندهما، ويتعينان عنده في الوكالات ثم عليك بالتأمل في قوله: وفائدة النقد والتسليم الخ بعد ما ذكره من الأصل المذكور وهو أنهما لا يتعينان. وكذا ما ذكره بعده من أنه لو اشترى بعد ما سرقت بعد الشراء عليه فإنه دليل على تعينهما كما هو قول الإمام لا على عدمه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال في الحواشي الحموية: وإنما لم تتعين في عقد المعاوضات لان النقد خلق ثمنا والأصل فيه وجوبه في الذمة لتوصله إلى العين المقصودة واعتبار التعيين فيه يخالف ذلك، بخلاف تعينه في الهبة لعدم وجوبه في الذمة، وكذا في الصدقة والشركة والمضاربة والوكالة والغصب إذا قام عينه، ولو هلك النقد في يد الوكيل انعزل ولو هلك بعد البيع قبل التسليم انفسخ البيع ولا يطالب الوكيل بعد بتسليم مثله وعين ذلك النقدين بالتعيين في عقد المعاوضة وفسخه. والشافعي وأحمد وافقاه كزفر لأنه صدر عن أهله مضافا إلى محله فيعتبر كما في عقد المعاوضة وقيد بالنقد لان ما هو مصوغ من الذهب والفضة يتعين بالتعيين اتفاقا، وكذا غيرهما من المثليات، وأثر الخلاف أنه لو عين الدراهم ليس للمشتري أن يسلم غيرها. وعندنا له أن يسلم مثلها، ولا ينقض العقد بالهلاك والاستحقاق بل يطالب بتسليم مثلها، كذا في شرح درر البحار للعلامة شيخ البخاري، وقوله وكذا غيرهما من المثليات يعني يتعين بالتعيين اتفاقا، وهذا محله إذا كان المثلي حاضرا مشارا إليه، يفهم هذا القيد من قوله يتعين بالتعيين إذ التعيين لا يكون في الغائب. وذكر في الذخيرة أن الفلوس بمنزلة الدراهم والدنانير في أنها لا تتعين بالتعيين انتهى.
وفي شرح الجامع الصغير للتمرتاشي: الدراهم لا تتعين في العقود والفسوخ وفرع عليه وجوب زكاة الأجرة المعجلة في الإجارة الطويلة على الآخر في السنين التي كانت الأجرة في يده لأنه ملكها بالقبض، وبالفسخ لا ينتقض ملكه إذا كانت الأجرة دراهم وما شاكلها.
وعن السرخسي: يجب على المستأجر أيضا لأنه يعد ذلك دينا على الآجر، وكذا في بيع الوفاء:
زكاة ذلك المال على البائع والمشتري، وليس هذا إيجاب الزكاة على شخصين في مال واحد لان الدراهم لا تتعين في العقود والفسوخ انتهى. قوله: (وهو معلوم) هو جواب عما يقال إنه أمره بالتصدق وهو تمليك للفقير، وهو مجهول، وتوكيل المجهول باطل.
وحاصل الجواب أنه جعله لله تعالى وهو معلوم، فيكون الله سبحانه وتعالى هو القابض للصدقة، لان الصدقة تقع في كف الرحمن والفقير نائب عنه، ولا تضر جهالة النائب، كما قالوا: لو تصدق بما يحتمل القسمة على فقيرين صح، مع أن الصدقة بالمشاع قبل القسمة لا تصح، لان الصدقة تقع في كف الرحمن وهو واحد، ولا يضر تعدد النائب. قوله: (وكذا لو أمره بشراء عبد) أي من الأجرة.