مباحث عدم قبول شهادة الأعمى في هذا الكتاب، وأما فيما نحن فيه فالتمكن من المعرفة بالعقل وذلك موجود في الصبي الذي كلامنا فيه، فليتأمل ا ه.
قلت: والظاهر أن مرادهم أن يعرف أن الخمسة فيما قيمته عشرة مثلا غبن فاحش، وأن الواحد فيها يسير، فإن لم يدرك الفرق بينهما غير عاقل كصبي دفع له رجل كعبا وأخذ ثوبه، فإذا فرح به ولا يعرف أنه مغبون في ذلك لا يصح تصرفه أصلا. وقدمنا عن البحر أن ما يرجع إلى الوكيل العقل فلا يصح توكيل مجنون وصبي لا يعقل الخ. وصريح عبارة المصنف وغيره يدل على عدم صحة توكيل المجنون، لكن في المقدسي: ولو وكل مجنونا بطلاق امرأته فقبل الوكالة في حال جنونه ثم أفاق فهو على وكالته، لان الإفاقة تزيد التمكن من التصرف، ولا تزيل الثابت.
قلت: وفيه بحث، لان قبول المجنون لغو فلم يثبت ا ه.
قلت: يؤيد هذا البحث أن هذا الفرع مخالف للمتون التي هي معتمد المذهب وإن أريد به من يعقل البيع والشراء كما ذكرنا، فهذا ليس بمجنون بل كصبي محجور.
وفي الواقعات الحسامية: الوكيل إذا اختلط عقله بشراب نبيذ ويعرف الشراء والقبض جاز على الموكل شراؤه، ولو اختلط ببنج ويعرف الشراء لم يجز وهو كالمعتوه ا ه.
قال المقدسي: يشكل نفاذ تصرفه على الموكل لأنا عاملناه معاملة الصحيح زجرا له، ولا ذنب للموكل حتى ينصرف الزجر له، ويعامل عليه بنفاذ فعل الوكيل المذكور عليه. ثم رأيت بحثي هذا منقولا: قال قاضيخان: إن أبا سليمان الجوزجاني قال: يجوز على الموكل، وقال غيره: لا يسري عليه، وعلل بما ذكرته فليراجع ا ه.
قال في جامع أحكام الصغار: فإن كان الصبي مأذونا في التجارة فصار وكيلا بالبيع بثمن حال ومؤجل فباع جاز بيعه ولزمته العهدة وإن كان وكيلا بالشراء، فإن كان بثمن مؤجل لا تلزمه العهدة قياسا واستحسانا وتكون العهدة على الامر، حتى أن البائع يطالب الآمر بالثمن دون الصبي، وإن وكله بالشراء بثمن حال فالقياس أن لا تلزمه العهدة. وفي استحسان تلزمه ا ه.
قال في البحر: وقوله أي صاحب الكنز إن لم يكن محجورا شامل للحر الذي لم يحجر عليه لسفه، والعبد المأذون والصبي المأذون، ولم يذكر شارحو الهداية المحجور عليه بالسفه هنا، وإنما زدته هنا لدخوله تحت المحجور عليه في كلامهم، ولقول قاضيخان في الحجر أن المحجور عليه بالسفه بمنزلة الصبي إلا في أربعة، فلا تلزمه عهدة كهو، وظاهر كلام المصنف أن العهدة على المأذون مطلقا، وفصل في الذخيرة بين أن يكون وكيلا بالبيع فالعهدة عليه، سواء باع بثمن حال أو مؤجل، وبين أن يكون وكيلا بالشراء، فإن كان بثمن مؤجل فهي على الموكل لأنه في معنى الكفالة، وإن كان بثمن حال فهي على الوكيل لكونه ضمان ثمن اه. وخالف في الايضاح: فيما إذا اشترى بثمن مؤجل فجعل الشراء له لا للموكل، لا أن الشراء للموكل والعهدة عليه كما في الذخيرة، وإيضاحه في الشرح: أي الزيلعي، وقيد بقوله إن لم يكن محجورا لان المحجور تتعلق الحقوق بموكله كالرسول والقاضي وأمينه، ولو قبضه مع هذا صح قبضه لأنه هو العاقد فكان أصيلا فيه، وانتفاء اللزوم لا يدل على انتفاء الجواز، ثم العبد إذا أعتق تلزمه تلك العهدة والصبي إذا بلغ لا تلزمه، لان المانع المولى مع أهليته وقد زال، وفي الصبي حق نفسه ولا يزول بالبلوغ، ولو وقع التنازع في كونه محجورا أو مأذونا حال كونه وكيلا لم أره.