تكملة حاشية رد المحتار - ابن عابدين ( علاء الدين ) - ج ١ - الصفحة ١٤
سبق بحثناه من تخصيص ما مر من أن ما أسكر كثيره حرم قليله بالمائعات، وهكذا يقول في غيره من الأشياء الجامدة المضرة في العقل أو غيره: يحرم تناول القدر المضر منها دون القليل النافع، لان حرمتها ليست لعينها بل لضررها وفي أول طلاق البحر: من غاب عقله بالبنج والأفيون يقع طلاقه إذا استعمله للهو وإدخال الآفات قصدا لكونه معصية، وإن كان للتداوي فلا لعدمها. كذا في فتح القدير. وهو صريح في حرمة البنج والأفيون لا للدواء. وفي البزازية: والتعليل ينادي بحرمته لا للدواء ا ه‍ كلام البحر. وجعل في النهر هذا التفصيل هو الحق.
والحاصل: أن استعمال الكثير المسكر منه حرام مطلقا كما يدل عليه كلام الغاية، وأما القليل:
فإن كان للهو حرم، وإن سكر منه يقع طلاقه لان مبدأ استعماله كان محظورا، وإن كان للتداوي وحصل منه إسكار فلا، فاغتنم هذا التحرير المفرد.
بقي هنا شئ لم أر من نبه عليه عندنا، وهو أنه إذا اعتاد أكل شئ من الجامدات التي لا يحرم قليلها ويسكر كثيرها حتى صار يأكل منها القدر المسكر ولا يسكره سواء أسكره في ابتداء الامر أو لا، فهل يحرم عليه استعماله نظرا إلى أنه يسكر غيره أو إلى أنه قد أسكره قبل اعتياد، أم لا يحرم نظرا إلى أنه طاهر مباح؟ والعلة في تحريمه الاسكار ولم يوجد بعد الاعتياد وإن كان فعله الذي أسكره قبله حراما، كمن اعتاد أكل شئ مسموم حتى صار يأكل ما هو قاتل عادة ولا يضره كما بلغنا عن بعضهم، فليتأمل. نعم صرح الشافعية بأن العبرة لما يغيب العقل بالنظر لغالب الناس بلا عادة. قوله:
(وهي ورق القنب) قال ابن البيطار: ومن القنب الهندي نوع يسمى بالحشيشة يسكر جدا إذا تناول منه يسيرا قدر درهم، حتى أن من أكثر منه أخرجه إلى حد الرعونة، وقد استعمله قوم فاختلت عقولهم، وربما قتلت، بل نقل ابن حجر عن بعض العلماء أن في أكل الحشيشة مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية، ونقل عن ابن تيمية أن من قال بحلها كفر. قال: وأقره أهل مذهبه ا ه‍. وسيأتي مثله عندنا.
قوله: (والأفيون) هو عصارة الخشخاش، يكرب ويسقط الشهوتين إذا تمودي عليه، ويقتل إلى درهمين، ومتى زاد أكله على أربعة أيام ولاءا اعتاده بحيث يفضي تركه إلى موته لأنه يخرق الأغشية خروقا لا يسدها غيره، كذا في تذكرة داود. قوله: (لأنه مفسد للعقل) حتى يصير للرجل فيه خلاعة وفساد، جوهرة. قوله: (وإن سكر) لان الشرع أوجب الحد بالسكر من المشروب لا المأكول. إتقاني.
قوله: (كذا في الجوهرة) الإشارة إلى قوله: ويحرم أكل البنج الخ. قوله: (وكذا تحرم جوزة الطيب) وكذا العنبر والزعفران كما في الزواجر لابن حجر المكي، وقال: فهذه كلها مسكرة، ومرادهم بالاسكار هنا تغطية العقل لا مع الشدة المطربة لأنها من خصوصيات المسكر المائع، فلا ينافي أنها تسمى مخدرة، فما جاء في الوعيد على الخمر يأتي فيها لاشتراكهما في إزالة العقل المقصود للشارع بقاؤه ا ه‍.
أقول: ومثله زهر القطن فإنه قوي التفريح يبلغ الاسكار كما في التذكرة، فهذا كله ونظائره يحرم استعمال القدر المسكر منه دون القليل كما قدمناه، فافهم. ومثله بل أولى البرش وهو شئ مركب من البنج والأفيون وغيرهما، ذكر في التذكرة أن إدمانه يفسد البدن والعقل، ويسقط الشهوتين، ويفسد اللون، وينقص القوى وينهك، وقد وقع به الآن ضرر كثير ا ه‍. قوله: (قاله المصنف) وعبارته:
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الأشربة 3
2 كتاب الصيد 18
3 كتاب الرهن 36
4 باب ما يجوز ارتهانه وما لا يجوز 49
5 باب الرهن يوضع على يد عدل 63
6 باب التصرف والجناية عليه وجنايته على غيره 69
7 فصل في مسائل متفرقة 83
8 كتاب الجنايات 91
9 باب القود فيما دون النفس 117
10 باب الشهادة في القتل واعتبار حالته 136
11 كتاب الديات 143
12 باب ما يحدثه الرجل في الطريق وغيره 164
13 باب جناية البهيمة والجناية عليها 175
14 باب جناية المملوك والجناية عليه 186
15 باب القسامة 201
16 كتاب المعاقل 218
17 كتاب الوصايا 226
18 باب الوصية بثلث المال 248
19 باب العتق في المرض 261
20 باب الوصية للأقارب وغيرهم 265
21 باب الوصية بالخدمة والسكنى والثمرة 275
22 باب الوصي 284
23 كتاب الخنثى 315
24 كتاب الفرائض 349
25 باب العول 380
26 باب توريث ذوي الأرحام 386
27 باب المخارج 399
28 مطلب تقرير في النظر بلا علمه 460
29 مطلب الناظر وكيل في حياة الواقف وصي في موته 460
30 مطلب الاجر بقدر المشقة 472
31 كتاب الشهادات 474
32 باب القبول وعدمه 520
33 مطلب إذا سكر الذمي لا تقبل شهادته 524
34 مطلب شهد أن الدائن أبرأهما وفلانا عن الانف 552
35 باب الاختلاف في الشهادة 616
36 باب الشهادة على الشهادة 646
37 مطلب علم القاضي ليس بحجة إلا في كتاب القاضي للضرورة اه‍ منه 652
38 مطلب في معنى قولهم الإساءة أفحش من الكراهة والكراهة أفحش من الإساءة 652
39 مطلب فلان بدون الألف واللام كناية عن الأناسي وبهما كناية عن البهائم 652
40 باب الرجوع عن الشهادة 663
41 مطلب في علة العلة 688
42 كتاب الوكالة 691
43 مطلب يشترط العلم للوكيل بالتوكيل 693
44 مطلب مسألة القمقمة 716
45 باب الوكالة بالبيع والشراء 724
46 مطلب الجهالة ثلاثة أنواع 724
47 مطلب حادثة الفتوى 742
48 فصل لا يعقد وكيل البيع والشراء مع ترد شهادته له 759
49 مطلب تفسير الخيرية 762
50 مطلب في حد الفاحش 767
51 مطلب الشركة مثل المضاربة في أن الأصل فيها الاطلاق 773
52 باب الوكالة بالخصومة والقبض 791
53 باب عزل الوكيل 813