بالاجماع غير أن أبا حنيفة اعتبر أدنى الحدود وهو حد العبيد لأن مطلق ما روينا يتناوله وأقله أربعون، وأبو يوسف اعتبر حد الأحرار لأنهم هم الأصول وأقله ثمانون فلا بد من النقص عنه، ففي رواية عنه ينقص خمسة وروي ذلك عن علي رضي الله عنه وهو ظاهر الرواية عن أبي يوسف كما في فتح القدير. قيل: وليس فيه معنى معقول فلا يضره لأنه قلد فيه عليا رضي الله عنه، ويجب تقليد الصحابي فيما لا يدرك بالرأي. وفي رواية ينقص سوط. وفي الحاوي القدسي قال أبو يوسف: أكثر في العبد تسعة وثلاثون سوطا، وفي الحر خمسة وسبعون سوطا وبه نأخذ اه. فعلم أن الأصح قول أبي يوسف. وفي المجتبى: وروي أنه ينقص منها سوطا وهو قول زفر وهو القياس وهو الأصح اه. وفي فتح القدير: وبما ذكرنا من تقدير أكثره بتسعة وثلاثين يعرف أن ما ذكر مما تقدم من أنه ليس في التعزير شئ مقدر بل مفوض إلى رأي الإمام أي من أنواعه فإنه يكون بالضرب وبغيره مما تقدم ذكره أما إن اقتضى رأيه الضرب في خصوص الواقعة فإنه حينئذ لا يزيد على تسعة وثلاثين اه. وقد وقع لي تردد في مسألة وهي أن انسانا لو ضرب انسانا بغير حق أكثر من أكثر التعزير ورفع إلى القاضي وثبت عليه أنه ضربه مثلا خمسين سوطا كيف يعزره القاضي؟ فإنه إن ضربه خمسين زاد على أكثر التعزير، وإن اقتصر على الأكثر لم يكن مستوفيا لحق المضروب إلا أن يقال: إن حقه التعزير لا القصاص وقد صرح في الخانية أن مما يجب التعزير به الضرب قوله: (وأقله ثلاثة) أي أقل التعزير بالضرب ثلاثة أسواط وهكذا ذكر القدوري فكأنه يرى أن ما دونها لا يقع به الزجر وليس كذلك، بل يختلف ذلك باختلاف الاشخاص فلا معنى لتقديره مع حصول المقصود بدونه فيكون مفوضا إلى رأي القاضي يقيمه بقدر ما يرى المصلحة فيه على ما بينا تفاصيله وعليه مشايخنا، كذا في التبيين. والحاصل أن على ما في المختصر لو علم القاضي أن الزجر يحصل بسوط لا يكتفى به بل لا بد من الثلاثة وعلى قول المشايخ يكتفى به اه.
قوله: (وصح حبسه بعد الضرب) أي جاز للحاكم أن يحبس العاصي بعد الضرب فيجمع بين حبسه وضربه لأنه صلح تعزيرا وقد ورد به الشرع في الجملة حتى جاز أن يكتفي به فجاز أن يضم إليه، ولهذا لم يشرع في التعزير بالتهمة قبل ثبوته كما شرع في الحد لأنه من التعزير.
أطلق في الحبس فشمل الحبس في البيت والسجن. قال في الحاوي القدسي: وقد يكون التعزير بالحبس في بيته أو في السجن اه.