البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٥ - الصفحة ١٩٠
الجزية تجب في أول الحول عند الإمام إلا أنها تؤخذ في آخره قبل تمامه بحيث يبقى منه يوم أو يومان. وقال أبو يوسف: تؤخذ الجزية حين تدخل السنة ويمضي شهران منها. قيد بالجزية لأن الديون والأجرة والخراج لا يسقط بإسلام الذمي وموته اتفاقا. واختلف في الخراج هل يسقط بالتداخل؟ فقيل على الخلاف فعند الإمام يسقط، وعندهما لا. وقيل لا تداخل فيه بالاتفاق كالعشر لأنها مؤنة الأرض، وينبغي ترجيح الأول لأن الخراج عقوبة بخلاف العشر.
فروع في الجزية: صرح في الهداية بأنها لا تقبل من الذمي لو بعثها على يد نائبه في أصح الروايات بل يكلف أن يأتي بنفسه فيعطى قائما والقابض منه قاعدا، وفي رواية يأخذ بتلبيبه ويهزه هزا ويقول أعط الجزية يا ذمي اه‍. أو يقول له يا يهودي أو يا نصراني أو يا عدو الله كما في غاية البيان، ولا يقال له يا كافر ويأثم القائل إن آذاه به كما في القنية. وفي بعض الكتب أنه يصفع في عنقه حين أداء الجزية.
قوله: (ولا تحدث بيعة ولا كنيسة في دارنا) أي لا يجوز إحداثهما في دار الاسلام لقوله عليه السلام لا اخصاء في الاسلام ولا كنيسة والمراد إحداثهما. وفي البناية: يقال كنيسة اليهود والنصارى لمتعبدهم وكذلك البيعة كان مطلقا في الأصل ثم غلب استعمال الكنيسة لمتعبد اليهود والبيعة لمتعبد النصارى. وفي فتح القدير: وفي ديار مصر لا يستعمل لفظ البيعة بل الكنيسة لمتعبد الفريقين، ولفظ الدير للنصارى خاصة. والبيع بكسر الباء.
أطلق عموم دار الاسلام فشمل الأمصار والقرى وهو المختار كما في فتح القدير. وقيده في الهداية بالامصار دون القرى لأن الأمصار هي التي تقام فيها الشعائر فلا يعارض بإظهار ما يخالفها. وقيل في ديارنا يمنعون من ذلك في القرى أيضا لأن فيها بعض الشعائر، والمروي عن صاحب المذهب في قرى الكوفة لأن أكثر أهلها أهل الذمة، وفي أرض العرب يمنعون من ذلك في أمصارها وقراها لقوله عليه السلام لا يجتمع دينان في جزيرة العرب اه‍. (1) وشمل كلامه المواضع كلها. وفي البناية: قيل أمصار المسلمين ثلاثة: أحدها ما مصره المسلمون منها كالكوفة والبصرة وبغداد وواسط فلا يجوز فيها إحداث بيعة ولا كنيسة ولا مجتمع لصلاتهم ولا صومعة بإجماع العلماء، ولا يمكنون فيه من شرب الخمر واتخاذ الخنزير وضرب الناقوس. وثانيها ما فتحه المسلمون عنوة فلا يجوز إحداث شئ فيها بالاجماع.
وثالثها ما فتح صلحا فإن صالحهم على أن الأرض لهم ولنا الخراج جاز إحداثهم، وإن صالحهم على أن الدار لنا ويؤدون الجزية، فالحكم في الكنائس على ما يوقع عليه الصلح، فإن
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»
الفهرست