قد أفادها بقوله في أحد كلاميهما ليفيد أنه لا فرق بين الفعل الماضي والمضارع في جوابها المقيد بالنفس ليشير إلى أن لفظ أنا مع المضارع ليس بشرط وإنما وقع بالمضارع وإن كان للوعد لقصة عائشة رضي الله عنها حيث أجابت بقولها اختار الله ورسوله واكتفى النبي صلى الله عليه وسلم به، ولكون المضارع عندنا موضوعا للحال والاستقبال فيه احتمال كما في كلمة الشهادة وأداء الشهادة فكان للتحقيق دون الوعد. وعلى اعتبار كونه مشتركا بينهما فقد وجد هنا قرينة ترجح أحد مفهوميه وهو إمكان كونه إخبارا عن أمر قائم. في الحال لكون محله القلب فيصح الاخبار باللسان عما هو قائم بمحل آخر حال الاخبار. قيد بالاختيار لأنه لو قال طلقي نفسك فقالت أنا أطلق لا يقع، وكذا لو قال لعبده أعتق رقبتك فقال أنا أعتق لا يعتق لأنه لا يمكن جعله إخبارا عن طلاق قائم أو عتق قائم لأنه إنما يقوم باللسان، فلو حاز قام به الأمران في زمن واحد وهو محال. وفي فتح القدير: وهذا بناء على أن الايقاع لا يكون بنفس أطلق لأنه لا تعارف فيه، وقدمنا أنه لو تعورف جاز ومقتضاه أنه يقع به هنا لو تعورف لأنه إنشاء لا إخبار ا ه. وقد أخذه من الكافي والظهيرية حيث قالا: ولان العادة لم تجر في أنا طالق بإرادة الحال ا ه. وفي المعراج: إلا إذا نوى إنشاء الطلاق فحينئذ يقع.
وفي البزازية: لو قال أنا أحج لا يلزمه شئ بخلاف ما إذا قال إن شفى الله مريضي فأنا أحج كان نذرا لأن المواعيد باكتساب التعاليق تصير لازمة. وذكر في كتاب الكفالة: لو قال الذهب الذي لك على فلان أنا أدفعه أو أسلمه أو أقبضه مني لا يكون كفالة ما لم يقل لفظا يدل على الوجوب كضمنت أو كفلت أو علي أو إلي. وهذا إذا ذكره منجزا، أما إذا ذكره معلقا بأن قال إن لم يؤده فلان فأنا أدفعه إليك أو نحوه يكون كفالة لما علم أن المواعيد باكتساب صور التعاليق تكون لازمة، فإن قوله أنا أحج لا يلزمه شئ، ولو علق وقال إن دخلت الدار فأنا أحج يلزمه الحج ا ه. وفي البزازية: لو قالت له أنا أطلق نفسي لا يكون جوابا، ولو قالت اخترت أن أطلق نفسي كان جائزا ا ه. قوله: (ولو قال لها اختاري اختاري فقالت اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة وقع الثلاث بلا نية) لأن في لفظه ما يدل على إرادة الطلاق وهو التعدد وهو إنما يتعلق بالطلاق لا باختيار الزوج، وقد اختلف المشايخ في الوقوع به قضاء بدون النية مع الاتفاق على أنه لا يقع في نفس الامر بالنية، فذهب المصنف تبعا لصاحب الهداية والصدر الشهيد والعتابي إلى عدم اشتراطها لما ذكرنا، وذهب قاضيخان وأبو المعين النسفي إلى اشتراطها، ورجحه في فتح القدير بأن تكرار أمره بالاختيار لا يصير ظاهرا في الطلاق لجواز أن يريد اختاري في المال واختاري في المسكن ونحوه. وهو كاعتدي إذا كرره. وقد يجاب عنه بأن المحصور بالثلاث هو الطلاق لا أمر آخر. كذا ذكره الفارسي. ويرد عليه لو قال لها اختاري مرتين فقط فإنه يقع بلا نية ولا