البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٢ - الصفحة ٤٥٧
الفطر عند أئمة الفقه كما شهدت كتبهم بذلك فمن لا يضره الصوم صحيح وليس الكلام فيه. ثم اعلم أنه وقع في عبارة القوم أصولا وفروعا أن رمضان يصح مع الخطأ في الوصف، فذهب جماعة من المشايخ إلى أن مسألة نية الصوم النفل في رمضان من الصحيح المقيم إنما هي مصورة في يوم الشك بأن شرع بهذه النية ثم ظهر أنه من رمضان حتى يكون هذا الظن معفوا، فأما لو وجدت في غيره يخشى عليه الكفر لأنه ظن أن الامر بالامساك المعين يتأدى بغيره وبمثل هذ الظن يخشى عليه الكفر. كذا في التقرير. وفي النهاية ما يرده فإنه قال في دليل الشافعي: إنه لو اعتقد المشروع في هذا الوقت أنه نفل يكفر. وقال في رده إنه لما لغا نية النفل لم تتحقق نية الاعراض وبه يبطل قوله أنه لو اعتقد فيه أنه نفل يكفر ا ه‍.
والحاصل أنه لا ملازمة بين نية النفل واعتقاد عدم الفرضية أو ظنه فقد يكون معتقدا للفرضية ومع ذلك نوى النفل فلا يكون بنية النفل كافرا إلا إذا انضم إليها اعتقاد النفلية، وكذا لا يخشى عليه الكفر إلا إذا انضم إليها الظن المذكور والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم اعلم أن أبا حنيفة جرى على أصله في المواضع كلها من أن الأصل ينفك عن الوصف فلهذا قال: إذا بطلت صفة الفرضية في الصلاة لا يبطل أصلها، وإذا بطلت الصفة في الصوم بقي أصله، وإذا قال لها أنت طالق كيف شئت وقع أصل الطلاق وكان الوصف مفوضا إليها. وهما قالا في هذه المسألة بأن ما لا يقبل الإشارة من الأمور الشرعية فحاله ووصفه بمنزلة أصله فيتعلق الأصل بتعلقه فخالفا هذا الأصل في الصوم. وخالفه أبو يوسف في الصلاة لأنه موافق لأبي حنيفة فيها وجرى عليه محمد في الصلاة فإنه قال ببطلان الأصل إذا بطل الوصف فيها، وقد فرق بعضهم لمحمد بين الصوم والصلاة، ورده الأكمل في تقريره وقال في بحث: كيف أن أصلهما المذكور ليس بصحيح لأن صحته تستلزم انتفاء الفاسد على مذهبنا واللازم باطل لأن الأحكام عندنا تنقسم إلى جائز وفاسد وباطل بيان الملازمة أن الربا مثلا وسائر العقودات مشروعة بأصلها غير مشروعة بوصفها بالاتفاق وهي مما لا يقبل الإشارة. فلو كان ما ذكرناه صحيحا لكان الأصل فيه مثل الوصف والوصف غير مشروع، وما كان غير مشروع بحسب الأصل والوصف فهو باطل اتفاقا لا فاسد، أو كان الوصف مثل الأصل والأصل مشروع فكان الربا جائزا لا فاسدا وهو باطل إجماعا ا ه‍.
قوله: (وما بقي لم يجز إلا بنية معينة مبيتة) أي ما بقي من الصيام وهو قضاء رمضان والكفارات وجزاء الصيد والحلق والمتعة والنذر المطلق لا يصح بمطلق النية ولا بنية مباينة، ولا بد فيه من التعيين لعدم تعين الوقت له، ولا بد فيه أيضا من النية من الليل أو ما هو في
(٤٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 452 453 454 455 456 457 458 459 460 461 462 ... » »»
الفهرست