البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٢ - الصفحة ٤٥٣
الفرض، والواجب أعم من أن يكون سنة أو مندوبا أو مكروها. وأشار إلى أنه لو نوى عند الغروب لا تصح نيته لأنه قبل الوقت كما قدمناه. وفي فتاوي الظهيرية: ولو نوى أن يتسحر في آخر الليل ثم يصبح صائما لم تصح هذه النية كما لو نوى بعد العصر صوم الغد ا ه‍.
واستدل الطحاوي لعدم اشتراط التبييت في رمضان بحديث الصحيحين في يوم عاشوراء من أكل فليمسك بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم (1) وكان صومه فرضا حتى فرض رمضان فصار سنة ففيه دليل على أن من تعين عليه صوم يوم ولم ينوه ليلا تجزئه النية نهارا فوجب حمل حديث السنن الأربعة لا صيام لمن لم ينو الصيام من الليل (2) على نفي الكمال لأن الأفضل في كل صوم أن ينوي وقت طلوع الفجر إن أمكنه أو من الليل كما في البدائع، أو على أن المراد لم ينو كون الصوم من الليل فيكون الجار وهو من الليل متعلقا بصيام الثاني لا ينوي، فحاصله لا صيام لمن لم يقصد أنه صائم من الليل أي من آخر أجزائه فيكون نفيا لصحة الصوم من حين نوى من النهار، وعلى تقدير كونه لنفي الصحة وجب أن يخص عمومه بما روينا عندهم، وعندنا لو كان قطعيا خص بعضه خصص به بعض فكيف وقد اجتمع فيه عدم الظنية والتخصيص إذ قد خصص منه النفل بحديث مسلم عن عائشة: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم شئ؟ فقلنا: لا. فقال: إني إذا صائم.
فالحاصل أن صوم عاشوراء أصل وألحق به صوم رمضان والمنذور المعين في حكمه وهو عدم النية من الليلة ومقتضاه إلحاق كل صوم واجب به لكن القياس إنما يصلح مخصصا للخبر لا ناسخا، ولو جرينا على تمام لازم هذه القياس لكان ناسخا لحديث السنن إذ لم يبق تحته شئ حينئذ فوجب أن يحاذي به مورد النص وهو الواجب المعين من رمضان، ونظيره من النذر المعين. ولا يمكن أن يلغي قيد التعيين في مورد النص الذي رويناه فإنه حينئذ يكون إبطالا لحكم لفظ بلا لفظ بنص فيه. وإنما اختص اعتبارها بوجودها في أكثر النهار لأن ما رويناه من حديث الصحيحين واقعة حال لا عموم لها في جميع أجزاء النهار، واحتمل كون إجازة الصوم في تلك الواقعة لوجود النية فيها في أكثره، واحتمل كونها للتجويز في النهار مطلقا،
(٤٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 ... » »»
الفهرست