ومتى كانت الحقيقة مرادة باللفظ تنحى المجاز وهبك أن الخمر يسمي لمعنى مخامرة العقل فذلك لا يدل على أن كل ما يخامر العقل يسمى خمرا (ألا ترى) أن الفرس الذي يكون أحد شقيه أبيض والآخر أسود يسمى أبلق ثم الثوب الذي يجتمع فيه لون السواد والبياض لا يسمى بهذا الاسم وكذلك النجم يسمى نجما لظهوره قالوا نجم أي ظهر ثم لا يدل ذلك على أن كل ما يظهر يسمى نجما وامامنا فيما ذكرناه من إباحة شرب المثلث عمر رضي الله عنه فقد روى عن جابر بن الحصين الأسدي رحمه الله ان عمار بن ياسر رضي الله عنه أتاه بكتاب عمر رضي الله عنه يأمره ان يتخذ الشرب المثلث لاستمراء الطعام وكان عمار بن ياسر رضي الله عنه يقول لا أدع شربها بعد ما رأيت عمر رضي الله عنه يشربها ويسقيها الناس وقد كان عمر رضي الله عنه هو الذي سأل تحريم الخمر فلا يظن به أنه كان يشرب أو يسقى الناس ما تناوله نص التحريم بوجه ولا يجوز أن يقال إنما كان يشرب الحلو منه دون المسكر بدليل قوله قد ذهب بالطبخ نصيب الشيطان وربح جنونه وهذا لأنه إنما كان يشرب ذلك لاستمراء الطعام وإنما يحصل هذا المقصود بالمشتد منه دون الحلو وقد دل على هذه الجملة الآثار التي بدأ محمد رحمه الله بها الكتاب فمن ذلك حديث زياد قال سقاني ابن عمر رضي الله عنه شربة ما كدت أهتدي إلى منزلي فغدوت عليه من الغد فأخبرته بذلك فقال ما زدناك على عجوة وزبيب وابن عمر رضي الله عنه كان معروفا بالزهد والفقه بين الصحابة رضي الله عنهم فلا يظن به انه كان يسقى غيره ما لا يشربه ولا أنه كان يشرب ما يتناوله نص التحريم وقد ذكرنا أن ما سقاه كان مشتدا حتى أثر فيه على وجه ما كان يهتدي إلى أهله وإنما قال هذا على طريق المبالغة في بيان التأثير فيه لا حقيقة السكر فان ذلك لا حيل وفى قوله ما زدناك على عجوة وزبيب دليل على أنه لا بأس بشرب القليل من المطبوخ من ماء الزبيب والتمر وإن كان مشتدا وانه لا بأس بشرب الخليطين بخلاف ما يقوله المتقشفة أنه لا يحل شراب الخليطين وإن كان حلوا لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شراب الخليطين وتأويل ذلك عندنا ان ذلك كان في زمان الجدب كره للأغنياء الجمع بين النعمتين وفى الحديث زيادة فإنه قال وعن القران بين النعمتين وعن الجمع بين نعمتين والدليل على أنه لا بأس بذلك في غير زمان القحط حديث عائشة رضي الله عنه ا قالت كنت أنبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم تمرا فلم يستمرئه فأمرني فألقيت فيه زبيبا ولما جاز اتخاذ الشرب من كل واحد منهما بانفراده جاز الجمع بينهما بمنزلة ماء السكر والفانيد
(٥)