القلب بالايمان وان ذلك لا يخرجه من الايمان لأنه لم يترك اعتقاده بما أجراه على لسانه (ألا ترى) أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عمار بن ياسر رضي الله عنه عن حال قلبه فلما أخبر أنه مطمئن بالايمان لم يعاتبه على ما كان منه وبعض العلماء رحمهم الله يحملون قوله عليه الصلاة والسلام فان عادوا فعد على ظاهره يعنى ان عادوا إلى الاكراه فعد إلى ما كان منك من النيل منى وذكر آلهتهم بخير وهو غلط فإنه لا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يأمر أحدا بالتكلم بكلمة الشرك ولكن مراده عليه الصلاة والسلام فان عادوا إلى الاكراه فعد إلى طمأنينة القلب بالايمان وهذا لان التكلم وإن كان يرخص له فيه فالامتناع منه أفضل (ألا ترى) أن حبيب بن عدي رضى الله لما أمتنع حتى قتل سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الشهداء وقال هو رفيقي في الجنة (وقصته) أن المشركين أخذوه وباعوه من أهل مكة فجعلوا يعاقبونه على أن يذكر آلهتهم بخير ويسب محمدا صلى الله عليه وسلم وهو يسب آلهتهم ويذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير فأجمعوا على قتله فلما أيقن انهم قاتلوه سألهم أن يدعوه ليصلى ركعتين فأوجز صلاته ثم قال إنما أوجزت لكيلا تظنوا انى أخاف القتل ثم سألهم أن يلقوه على وجه ليكون هو ساجدا لله حين يقتلونه فأبوا عليه ذلك فرفع يديه إلى السماء وقال اللهم أنى لا أرى هنا الا وجه عدو فاقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام اللهم احص هؤلاء عددا واجعلهم بددا ولا تبق منهم أحدا ثم أنشأ يقول ولست أبالي حين أقتل مسلما * على أي جنب كان لله مصرعي فلما قتلوه وصلبوه تحول وجهه إلى القبلة وجاء جبريل عليه الصلاة والسلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئه سلام حبيب رضي الله عنه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم له وقال هو أفضل الشهداء وهو رفيقي في الجنة فبهذا تبين أن الامتناع أفضل وعن أبي عبيدة أيضا في قوله تعالى (من كفر بالله من بعد إيمانه) قال ذلك عمار بن ياسر رضي الله عنه (ولكن من شرح بالكفر صدرا) عبيد الله بن أبي سرح فإنه كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أخذه المشركون وأكرهوه على ما أكرهوا عليه عمار بن ياسر رضي الله عنه أجابهم إلى ذلك معتقدا فأكرموه وكان معهم إلى أن فتح رسول الله صلى الله وسلم مكة فجاء به عثمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يبايعه وفيه قصة وهو المراد بقوله تعالى ولكن من شرح بالكفر صدرا فعرفنا انه إذا بدل الاعتقاد يحكم بكفره مكرها كان أو طائعا وهذا
(٤٤)