المبسوط - السرخسي - ج ١٦ - الصفحة ١٣٣
مقبولة وليس بين أصحاب الأهواء من الاختلاف أشد مما كان بينهم من القتال وفي موضع آخر علل فقال إنهم للتعمق في الذين ضلوا عن سواء السبيل ووقعوا في الهوى وذلك لا يلحق تهمة الكذب بهم في الشهادة فمن أهل الأهواء يعظم الذنب حتى يجعله كفرا فلا يتهم باعتبار هذه الاعتقاد أن يشهد بالكذب ومنهم من يقول بالفسق يخرج من الايمان فاعتقاده هذا يحمله على التحرز عن الكذب الموجب لفسقه وقد بينا أن شهادة الفاسق إنما لا تقبل لتهمة الكذب والفسق من حيث الاعتقاد لا يدل على ذلك فهو نظير شرط المثلث معتقدا اباحته أو يتناول متروك التسمية عمدا معتقدا إباحة ذلك فإنه لا يصير به مردود الشهادة الا الخطابية من أهل الأهواء وهم صنف من الروافض يستجيزون أن يشهدوا للمدعى إذا حلف عندهم أنه محق ويقولون المسلم لا يحلف كاذبا فاعتقاده هذا يمكن تهمة الكذب في شهادته قالوا وكذلك من يعتقد أن الإلهام حجة موجبة للعلم لا تقبل شهادته لان اعتقاده ذلك يمكن تهمة الكذب فربما أقدم على أداء الشهادة بهذا الطريق فاما رواية الاخبار عن أهل الأهواء فقد اختلف فيه مشايخنا رحمهم الله والأصح عندي أنه لا تقبل لان المعتقد للهوى يدعو الناس إلى اعتقاده ومتهم بالنقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم لاتمام مراده فلا تقبل روايته لهذا ولا يوجد مثل ذلك منه في الشهادة في المعاملات وعلى هذا شهادة العدو على عدوه لا تقبل عند الشافعي رحمه الله لان العدواة بينهما تحمله على التقول عليه ولهذا لم يجوز شهادة أهل الأهواء على أهل الحق فاما عندنا إذا كانت العدواة بينهما بسبب شئ من أمر الدين فشهادة بعضهم على بعض تقبل لخلوها عن تهمة الكذب فأما من يعادى غيره لمجاوزته حد الدين يمتنع من الشهادة بالزور وإن كان يعاديه بسبب شئ من أمر الدنيا فهو أمر موجب فسقه فلا تقبل شهادته عليه إذا ظهر ذلك منه وشهادة أهل الاسلام جائزة على أهل الشرك كلهم لان الله تعالى أثبت للمؤمنين شهادة على الناس بقوله عز وجل لتكونوا شهداء على الناس ولما قبلت شهادة المسلم على المسلم فعلى الكافر أولى ومن عرف منهم بالخيانة لم تجز شهادته أهل الأهواء وغير أهل الأهواء في ذلك سواء فالمجون نوع جنون قال القائل في هذا المعنى ان شرخ الشباب والشعر الأسود ما لم يعاص كان جنونا ثم لما جن تشتد غفلته على وجه ينعدم به الضبط أو يقل وتظهر منه المجازفة فيما يقول ويفعل فيتهم بالمجازفة في الشهادة أيضا وشهادة أهل الشرك بينهم جائزة بعضهم على بعض عندنا وقال
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»
الفهرست