المبسوط - السرخسي - ج ١٤ - الصفحة ٥٩
عندنا انهم نهوا عن الربا قال الله تعالى وأخذهم الربا وقد نهوا عنه فمباشرتهم ذلك لا تكون عن تدين بل لفسق في الاعتقاد والتعاطي فيمنعون من ذلك كما يمنع المسلم. وإذا تبايع أهل الحرب بالربا في دار الحرب ثم خرجوا فأسلموا أو صاروا ذمة قبل أن يتقابضوا أو يقبض أحدهما ثم اختصموا في ذلك أبطلته لان العصمة الثابتة بالاحراز كما تمنع ابتداء العقد تمنع القبض بحكم العقد وفوات القبض المستحق بالعقد مبطل للعقد والأصل فيه قوله تعالى وذروا ما بقي من الربا وسببه مروى عن مكحول قال أسلم ثقيف بشرط أن لا يدعوا الربا وكان بنو عمرو بن عوف يأخذون الربا من بنى المغيرة وبنو المغيرة يربون ذلك فلما كان بعد الفتح بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد رضي الله عنه إلى مكة أميرا فطلب بنو عمرو بن عوف ما بقي لهم من الربا وأبى ذلك بنو المغيرة فاختصموا إلى عتاب رضي الله عنه فكتب فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله الآية وكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عتاب رضي الله عنه وأمره أن يأمرهم بان يدعوا لهم ما بقي من الربا أو يستعدوا للحرب فعرفنا ان الاسلام يمنع القبض كما يمنع ابتداء العقد وكذلك لو اختصموا بعد التقابض في دار الاسلام فإنهم يؤمرون برد ذلك لان التقابض بعد العصمة بالاحراز كان باطلا شرعا وكذلك المسلم يبايع الحربي بذلك في دار الحرب ثم أسلم الحربي وخرج إلى دارنا قبل التقابض فان خاصمه في ذلك إلى القاضي أبطله وإن كان تقابضا في دار الحرب ثم اختصما لم أنظر فيه ويستوى إن كان المسلم أخذ الدرهمين بالدرهم أو الدرهم بالدرهمين لأنه طيب نفس الكافر بما أعطاه قل ذلك أو كثر واخذ ماله بطريق الإباحة كما قررنا والله أعلم (باب الصرف بين المولى وعبده) قال رحمه الله وليس بين المولي وعبده ربا لقوله صلى الله عليه وسلم لا ربا بين العبد وسيده ولان هذا ليس ببيع لان كسب العبد لمولاه والبيع مبادلة ملك بملك غيره فأما جعل بعض ماله في بعض فلا يكون بيعا فإن كان على العبد دين فليس بينهما ربا أيضا ولكن على المولى أن يرد ما أخذه على العبد لان كسبه مشغول بحق غرمائه ولا يسلم له ما لم يفرغ من دينه كما لو أخذه لا بجهة العقد وساء كان اشترى منه درهما بدرهمين أو درهمين بدرهم لان ما أعطى ليس بعوض سواء كان أقل أو أكثر فعليه رد ما قبض لحق
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»
الفهرست